هذا النجاح الشعبي والفنى الكبير الذى صاحب عرض الفيلم الفرنسى (الارتست) الذى حاول بأسلوب ممتع ومثير أن يقدم نفسه على طريقة وأسلوب السينما الصامتة معتمدا اعتمادا أساسيا على الصورة وطارحا جانبا الحوار الذى اكتفت الصورة بقوة عن التعبير عنه.. متسائلا.. أليس اسم السينما اصلا.. هو الصورة المتحركة اعقب هذا النجاح الفرنسي.. نجاح أسباني مماثل.. لفيلم (بلانش نيج) الأسطورة المعروفة والتى قدمها الفيلم أيضا معتمدا على الصورة فقط.. دون اللجوء إلى جملة واحدة من الحوار.. وتكررت التجربة هذا العام من خلال فيلم امريكى مثله الكبير روبرت ديدفورد وتدور أحداثه كلها حول رجل وحيد فى قارب صغير يصارع الأمواج فوق المحيط. هذه العودة إلى تعبير الصورة.. أمر له دلالته العميقة.. فهو يشكل بطريقة ما الرد الفنى المؤثر لاتجاهات السينما الأخيرة.. التى بدأت تعتمد على التكتيك والافيهات والخدع السينمائية والابهار الظاهري.. مبعدة السينما عن مدارها الفنى الحقيقي. وهذا ما يبرر أيضا هذه العودة غير المتوقعة لشركات انتاج الأسطوانات المدمجة إلى العودة لتقديم الكثير من الأعمال الكلاسيكية الكبرى من عهد السينما الصامتة.. والتى اثرت هذا الفن واعطته قيمته الجمالية وجعلت منه بحق فن الفنون فى القرن العشرين. بدأ الأمر.. باعادة تقديم رائعة فوتيز لافج (متروبوليس) التى أخرجها أيام الحكم النازى واعتبرها البعض دعاية لدكتاتورية هتلر.. وهذا ما دفع وزير اعلامها آنذاك (جوليز) إلى أن يعرض منصب وزارة الثقافة الى لانج.. الذى رفضه وفضل الهجرة إلى امريكا مدافعا عن نفسه دائما.. بان فيلمه قد اسيء تفسيره.. وانه كان يهدف فى أعماقه لتأكيد حرية الإنسان وكرامته ضد الاضطهاد والعبودية المتمثلة فى الحكم الدكتاتوري. مهما يكن من شأن الخلافات حول هذا الفيلم، كان لاعادة طبع هذا الفيلم بنسخته النهائية أثر كبير على عشاق السينما ومحبيها.. وشجع النجاح الكبير الذى لاقاه طبع متروبوليس الشركات على اعادة طبع وتوزيع أفلام صامتة أخرى الآن لها شأنها الكبير.. واثرت فى تطور فن السينما واعطاءه الثقة وقوته وتأثيره.. وهكذا رأينا النسخة الكاملة.. من (الام جان دارك) للمخرج الدانماركى كارل دراير.. والذى يعتبر أروع الأفلام التى قدمت حياة جان دارك من خلال أداء مؤثر واسطورى للنجمة فالكونتى التى غيرت فى ادائها كافة الممثلات اللائى أتين بعدها وفد من هذا الدور. الام جان دارك.. يدور حول الأيام الأخيرة من محاكمة الفلاحة الثائرة التى هزمت الانجليز ومحاولة الكنيسة (تدجينها) وازالة الهالة البطولية التى احاطت بها.. ومنحتها فيما بعد لقب (القداسة).. الفيلم يروى من خلال وجه فالكونتى المدهش تطور عواطفها وحيرتها بين الخوف والايمان.. ضعفها وقوتها بسالتها وجبنها.. ثم مواجهتها النار التى احرقتها. الفيلم يعتمد على الموسيقى الداخلية.. وعلى قوة الكاميرا فى التغلغل إلى أعماق النفس البشرية دون ضابط أو حدود ويثبت مقدرة هذا الفن الجديد. (أو الذى كان جديدا فى ذلك الوقت) على ان يتفوق فى تحليله للنفس البشرية على الأدب وعلى كل مفردات الكلام. لقد قدمت حياة جان دارك بعد ذلك أكثر من مرة ومن خلال أكثر من مخرج مبدع. روسولينى ومرسون الفرنسي وفلمنج الامريكى وسواهم.. ولكن يبقى فيلم دواير الصامت والذى يخلو من أية معركة خارجية أو تركيز على بطولات عسكرية، أهم وأروع الأفلام التي عبرت عن حياة الام ومحبة جان دارك. هذه العودة للوراء.. الى سينما الصورة الى سينما التعبير الداخلي. الى سينما الفن المجرد من المهرجانات والابهار الزائف.. هل هو اشارة ما إلى افلاس السينما الجديدة القائمة كلها على الإبهار وخدع التصوير والخيال الطفولي. والعنف غير المبرر؟؟ هل هناك رغبة جماهيرية حقيقية بأن تعود السينما الى نبضها الأصيل وان تعود (صورة) قبل كل شيء.. ام انها مجرد انتفاضة عابرة ستضيع فى غمار صرخات التكنولوجيا والمؤثرات السمعية والبصرية الجديدة التى حولت السينما من فن إلى صناعة؟؟