يُقدّم مدير التصوير القدير «سعيد الشيمى» فى كتابه الجديد الذى يحمل عنوان الصورة السينمائية من السينما الصامتة إلى الرقمية، والصادر ضمن سلسلة «آفاق السينما» التى تطبعها هيئة قصور الثقافة، سياحة ممتعة ومثيرة عن تاريخ الصورة أو الأطياف التى تتحرك فوق الشاشة البيضاء، ورغم أنه يسجل فى الكتاب إعجابا مستحقا لإنجاز الصورة المطبوعة على أفلام السيلولويد التقليدية، التى اختطفت بالأعمال الفنية الكبرى لأشهر المخرجين والمصورين والممثلين فى زمن الأبيض والأسود والألوان، إلا أنه يؤكد على أن العصر القادم هو زمن الصورة الرقمية ،عصر البيكسلات وهى الشرائح الإكترونية الصغيرة التى تمسك بالصورة، والتى تكاثر عددها لتعطى نفس الجودة تقريبا التى كان يمنحها الفيلم السينمائى التقليدى. من خلال التوقف عند القفزات المتتالية التى حققتها الصورة السينمائية، من خلال عدد كبير من الصور التوضيحية للأفلام والمعدات، نكتشف بطريقة غير مباشرة أن تطور الصورة لم يكن إلا ترجمة للقفزات العلمية المدهشة التى حققها الإنسان، ولكن الكتاب لايعرض هذه الانتقالات الكبرى لذاتها، ولايحتفى بالتكونولوجيا إلا باعتبارها أداة تسهل على فنانى السينما وخصوصا المخرجين والمصورين، تحقيق أحلامهم الفنية لاشىء يمكن أن يكون بديلا عن عين الفنان أو رؤيته، بل لعلنى أعتقد أن تلك الثورة الإلكترونية التى اقتحمت عالم الصورة، وهذه الكاميرات الديجيتال الصغيرة التى جعلت كل إنسان قادرا على إنجاز فيلمه بنفسه، والتعبير ذاتيا عن أفكاره، كل ذلك يشكل تحديا لأصحاب المواهب الحقيقية فى الفرز والا نتقاء ، وفى توظيف إمكانيات هائلة جديدة، كلما توفرت القدرة على التصوير بالأجهزة العجيبة التى تقدم إمكانيات لانهائية من حركة الكاميرا، كلما احتجنا إلى عين مثقفة وخبيرة، حتى لايتحول فن التصوير السينمائى إلى مجرد استعراض مجانى، وكأن المصور يركب مرجيحة تصعد به وتهبط بلا أى معنى، مثلما شاهدنا ونشاهد فى أغنيات الفيديو كليب البائسة! يؤرخ لظهور السينما بأول عرض فى باريس نظير تذاكر للأخوين لوميير يوم السبت 28 ديسمبر 1895، ابتكر الاثنان كاميرا سجلت بعض اللقطات القصيرة، كما ابتكرت آلة عرض بدائية بالطبع، ولكن التجارب المختلفة لتسجيل الصور المتحركة لم تكن ممكنة لولا اكتشاف بعض الخواص البصرية الهامة وأبرزها خاصة احتفاظ العين بالرؤية لفترة قصيرة جدا من الزمن، لولا هذه الخاصية لما أدركنا الصورة متحركة مع أنها فى الحقيقة ليست سوى كادرات يتوالى عرضها بسرعة معينة، ورغم أن الأخوين لوميير أتاحا للجمهور مشاهدة الأفلام مقابل تذاكر، إلا أنهما لم يؤمنا أبدا بأن اختراعهما يمكن أن يتحول إلى مشروع اقتصادى ناجح، ولكن الفن الجديد سرعان ما انطلق على يد حفنة من المبدعين ربما كان فى صدارتهم الفرنسى «جورج ميليس» الذى كان يعمل ساحرا مما انعكس على ابتكاراته الكثيرة فى عالم الخدع السينمائية، وقد نجح فى تقديم عشرات الأفلام القصيرة، وأنشأ استديو للتصوير السينمائى، ثم تطورت اللغة السينمائية باكتشاف المونتاج وإمكانياته على أيدى كبار المخرجين فى عصر السينما الصامتة مثل الأمريكى «جريفيت» والروسين «بودوفكين وإيزنشتين»، ظهر التأثير الرائع لأحجام اللقطات وخصوصا لقطة «الكلوز أب» كما فى فيلم «آلام جان دارك» وحققت المدرسة التعبيرية الألمانية انجازها الكبير فى فترة ما بين الحربين من خلال أفلام «عيادة الدكتور كاليمبارى» و «توسفيراتو» و «متروبوليس»، أصبحت لدينا الصورة الكلاسيكية الهوليودية بعد دخول أمريكا بقوة ساحة انتاج الفيلم الروائى، تطورت أيضا حساسية الأفلام التى كانت بطيئة للغاية مما فرض ذلك المكياج الأبيض الثقيل الذى يظهر به الممثلون فى أفلام الأبيض والأسود، ولكن الحساسية زادت تدريجيا مما أتاح امكانيات هائلة فى تحسين الصورة السينمائية، والتعبير عن الزمن التاريخى باستخدام أقل المصادر الضوئية المتاحة. يتوقف سعيد الشيمى عند سنوات النضج للصورة السينمائية، فرغم ظهور الصوت، وتأثيره السلبى بوضع الكاميرا داخل حجرة تعزل صوتها، وبتحديد حركتها حتى لايظهر ميكرفون التسجيل داخل الاستوديو، إلا أن السينما سرعان مانجحت فى استعادة صورتها الساحرة بظهور الفيلم الاستعراضى، وبالإنتاج الضخم للأفلام التاريخية، والتجارب الواقعية الجديدة فى إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية، التى استفادت من تدمير الاستديوهات بالخروج للتصوير فى الشوارع، ومن غياب النجوم بالاعتماد على الهواة كما شاهدنا فى فيلم «تيتوريودى سيكا» الشهير «سارقو الدراجة» وحتى عندما ظهر التليفزيون كمنافس قوى للسينما وصورتها فى الخمسنيات، فإن السينما سرعان ما لجأت إلى الإبهار فى استخدام الألوان، كما ظهر التصوير بالشاشة العريضة، بل إن تجارب السينما المجسمة بدأت فى الخمسنيات أيضا، نافست السينما التليفزيون بالأفلام الضخمة التاريخية والدينية (فيلم الرداء هو أول فيلم سكوب)، وبالتصوير تحت الماء. ( فيلم 20 ألف فرسخ تحت الماء فى نسخه المتعددة)، وفى سندات الاستنارة كما يسميها سعيد شيمى استفادت السينما من ظهور الفيديو المساعد للكاميرا السينمائية والذى يتيح للمخرج مشاهدة ما تم تصويره أثناء القيام بذلك، بل لقد تطورت المعدات السينمائية بظهور الكاميرات المحمولة على رافعة عملاقة (sky corn) وكاميرات التصوير الجوى التى تقدم صورة ثابتة رغم اهتزاز طائرات الهليوكبتر التى تحملها، وقدمت اليابان تطويرا هائلا لصناعة الفيلم الملون على وجه الخصوص. ولكن سنوات التغيير جاءت بالسينما الرقمية وكاميراتها وأجهزتها، ولأن الشريحة الإلكترونية تتيح إمكانيات هائلة غير مسبوقة، فقد حدثت ثورة كاملة غى مجال الخدع، فيلم مثل «300» الشهير تم تنفيذه بالكامل داخل استديو صغير، وعن طريق استخدام برامج متنوعة أضيفت الخلفيات، بل وتم تخليق الافيال والحيوانات الضخمة التى ظهرت فى الفيلم، هناك من يعتقد بضرورة استغلال هذه السينما الرقمية كما فعل مخرجو «وجما 95»، ولكن هناك من يصر على استخدام الفيلم فى التصوير مثل سبيلبرج، ورغم أن سعيد شيمى من أنصار تلك الثورة الرقمية، إلا أنه لاينسى سحر الفيلم التقليدى ولذلك يقدم فى قلب حديثه عن سنوات التغيير نماذج تحليلية من أعمال كبار مبدعى الصورة السينمائية مثل «برجمانة» و«كريرك» و «كيروسوا» و«كيشلوفسكى» و «شادى عبد السلام» فالبقاء دوما للفن مهما تغيرت وسائل التعبير والتصوير.