ربما يقف البعض عاجزا أمام الفئة الشعبية التي تعانى فى مجتمعنا من القهر والظلم الواقع عليها وهناك من يبدا تعاطفا معهم ولكن وجد عدد كبير من المبدعين ضالتهم فى التعبير عنهم، ومنهم المؤلف أحمد عبدالله الذى عبر فى أفلامه عن هذه الفئة الكادحة، وكان آخرها فيلم «الحرامى والعبيط» الذى قام ببطولته خالد صالح وخالد الصاوى واخراج محمد مصطفي، واستطاع عبدالله أن يرسم صورة واقعية لما تتعرض له هذه الفئة من قهر وظلم وصل إلى حد سرقة أعضائهم البشرية، بل ازدادت الرؤية قتامة عندما يتعرض لهذا الأمر فئة تعانى من خلل عقلى. أحمد عبدالله يكشف لنا عن معاناته الشخصية مع المختلين عقليا، وتعاونه الأول مع المخرج محمد مصطفى وفيلمه القادم مع ياسمين عبدالعزيز. فى البداية يقول المؤلف أحمد عبدالله: سعيد بردود الفعل التى تلقيتها عن فيلم »الحرامى والعبيط« خاصة انه يناقش قضية مهمة ومثارة الآن وهى قضية تجارة الأعضاء البشرية كما انه زاد من سعادتى عندما استقبلت بعض ردود الفعل الايجابية عن شخصية العبيط »فتحي« والتى قام بدورها الفنان خالد صالح حيث أنها قدمت بشكل أكثر عمقا من الأعمال الأخرى التى رصدت هذه الفئة بشكل سطحى. ويضيف عبدالله قائلا: الأمر الذى احزننى كثيرا أن الفيلم لم يلق رد فعل ايجابى من جانب شباك التذاكر رغم اعجاب الكثير من الجمهور به وهذا يدل على أن الجمهور لا يحتاج لمثل هذه الأفلام فى هذه المرحلة الحرجة التى نعيشها بل يحتاج الى الاعمال التى تحتوى على رقصة وأغنية وكثير من الافيهات التافهة. ويشير أحمد عبدالله إلى أن فكرة الفيلم كانت تراوده منذ فترة طويلة تحديدا قبل فيلم »ساعة ونصف« إلا انها كانت تحتاج الى بعض الدراسات البسيطة عن شخصية »العبيط« أو المختلين عقليا حتى يتم تنفيذها بشكل أكثر دقة وعمقا. وكيف تحقق ذلك؟ - كمؤلف أحب أن اسعى بنفسى واشاهد كل ما يكتب عنهم عن قرب وهو ما قمت به فى فيلم »الحرامى والعبيط« حيث ترددت كثيرا على بعض الاماكن التى تستوعب هذه الفئة وشاهدت عن قرب كيف يتعاملون مع الجمهور العادى ولاحظت أن هناك حالة من القلق الشديد تنتاب هذه الفئة عندما يقترب منهم أى شخص آخر ويشتبهوا فى أفعاله وكأنه يحاول سرقتهم وهو ما عانيت منه فى أكثر من موقف تعرضت له عندما اقترب منه فيعاملنى اننى »حرامي« واحاول سرقته وهو ما جعلنى افكر فيه كيف يسرق الحرامى مواطن يعانى من خلل عقلى؟ مقدمة الفيلم تعانى من التطاويل فى تعريف الشخصيات للجمهور والتى قام بها الحرامى »صلاح روسي« خالد الصاوى؟ - اتصور من الضرورى أن نوضح للجمهور شخصيات الفيلم وتحديدا طبيعة شخصيتى »الحرامي« و»العبيط« أو صلاح روسى وفتحى وكيف يتعامل البلطجى أو الحرامى صلاح مع أهل المنطقة الشعبية التى يعيش فيها ومدى سيطرته عليها وعلى الرغم من ذلك هناك البعض يراها نوع من التطويل وانا احترم هذا الرأي. تزامن عرض الفيلم الذى يناقش قضية تجارة الأعضاء البشرية مع الأحداث الأخيرة التى اثارت نفس القضية فى العديد من المناطق فهل كان ذلك مقصودا؟ - أرى أن قضية تجارة الأعضاء البشرية أمر ليس وليد اللحظة الا انه انتشر فى الفترة الاخيرة بالعديد من المناطق ولابد من الوقوف ضد هذه الظاهرة السلبية والقاء الضوء عليها. اتصور أن أكثر الشخصيات التى ارهقتك شخصية فتحى؟ - هذا صحيح فقد واجهت صعوبات كثيرة حتى اقدم هذه الشخصية بالشكل التى ظهرت عليه خاصة اننى كنت احرص على تقديم شخصية مختلفة عن الشخصيات التى ظهرت فى العديد من الأفلام القديمة والتى كانت تقدم المختل عقليا بشكل يدعو الى السذاجة وأنها تقدم بهدف الاضحاك فقط وهو الأمر الذى ابتعدت عنه تماما فحاولت ان اقدم معاناتها ومدى القهر والظلم الواقع عليها والذى تسبب فى وصولها الى هذه الحالة وكان ذلك يحتاج نوعا من الدراسة المتأنية ورغم كل ذلك اتصور اننى لم اقدم شخصية المختل عقليا بالشكل الذى يجب أن يظهر عليه لأن هذا الامر يحتاج لدراسة نفسية وميدانية أكثر عمقا وهذا غير متوفر فى الوقت الحالى ولكن شخصية صلاح روسى اضحكتنى عند مشاهدتها. ولكن ألم تجذبك هذه الشخصية حتى تقدمها بشكل أكثر عمقا؟ - بالتأكيد تعد مادة خصبة لأى مؤلف ولكن هذا الأمر يحتاج الى تفرغ تام لمدة 4 سنوات على الاقل حتى نستوعب هذه الفئة بكل أنواعها خاصة انك تعتمد بشكل كبير على الخيال فى خلق تفاصيل هذه الشخصية تكون مقنعة حتى تؤدى به إلى هذا المصير وهو ما حاول فعله من خلال شخصية فتحى الذى كان يعانى من خيانة زوجته ويتعرض لحالة نفسية سيئة وتحول الى مرض عقلى عندما تعرض الى ظلم وقهر من جانب بعض البلطجية الذين يثارون لزوجته الخائنة فهاجموه فى منزله وسلبوه كرامته امام ابنته بارتدائه ملابس النساء مما تسبب فى حالة من الخلل العقلى. يرى البعض أن رغم وحشية صلاح روسى الا انه يملك بعض الجدعنة التى لا تدفعه لسرقة العبيط وفى نفس الوقت كانت هناك بعض المشاهد التى توضح كراهية »روسي« لشخصية فتحى ما تعليقك؟ - هذا صحيح ولكن عندما يفقد البلطجى روسى ما يملكه يتحول الى وحش كاسر لانه يعتبر ذلك اعتداء على هيبته وهو ما حدث عندما اعتدى البلطجية على منزله فى غيابه وسرقوا بعض الاسلحة البيضاء منه واما عن كراهيته لشخصية فتحى فكانت نابعة من الحالة المقززة التى كان يظهر عليها فتحى وعندما فقد عينه واستشار خطيبته ناهد فى حل الازمة حتى يعود لطبيعته قالت له لابد من أن يكون المتبرع بالعين اما متوفيا أو يتبرع بها دون أن يدرك ولم يجد أمامه سوى فتحى وكان الهدف تركيب قرنية جديدة ولكن تحولت بعد ذلك الى تجارة. وكيف لمختل عقليا أن يدرك ما حدث له ويتذكر بعض تفاصيل حياته ولا يدرك ما يتعرض له من سرقة القرنية وكليته؟ - المختل عقليا لا يستطيع أن يعبر عما بداخله ولا أحد يسمع له وهو ما كان واضحا فى شخصية فتحى حتى ان بعض العبارات التى كان يطلقها كانت محل اندهاش وتعجب فضلا عن انه يخشى بطش صلاح روسى فكان يفعل له ما يريد. نهاية الفيلم جاءت أقرب إلى نهايات أفلامك الأخيرة التى تدعو الى الاخلاق النبيلة ما تعليقك على ذلك؟ - نحن فى مجتمعنا نفتقد للأخلاق فأصبحنا نعيش مرحلة من الفساد الأخلاقى فى كل مكان وأصبحنا نفتقد الى العلاقات الانسانية الحميمة وأتصور أن هذه النهاية طبيعية لما يحدث، فلك أن تتخيل مدى الظلم الذى وقع على شخصية فتحى فلابد أن تنتقم له العدالة السماوية فأحاول أن أؤكد على انه مازالت هناك نقطة مضيئة وأن المجتمع به سلبياته وايجابياته ولكن للاسف سلبياته طغت على ايجابياته وقد انتقدنى العديد فى أفلامى السابقة بسبب هذا الأمر واطلقوا على أعمالى اسم »السينما النظيفة« وهذا فخر لى. ماذا عن تعاونك الأول مع المخرج محمد مصطفي؟ - اتصور أن محمد مصطفى مخرج يملك أدوات جيدة واستطاع أن يعبر عن جميع الشخصيات بشكل جيد وقدم صورة جيدة. دائما ما نرى فى أفلامك سواء الكوميدية منها أو التراجيدية تناقش قضايا المناطق الشعبية فمتى يخرق أحمد عبدالله من هذا النفق؟ - هذه المنطقة مليئة بالأحداث المختلفة منها الكوميدى والتراجيدى ولا يمكن أن تشبع منها فهى كنز لأى مؤلف واتصور أن الكاتب الكبير نجيب محفوظ ظل يكتب عن البيئة التى عاش فيها لسنوات طويلة وكان معظم أبطال رواياته الأدبية من الحارة الشعبية فضلا عن ذلك أصبح شكل الحارة الشعبية مختلفة وأكثر صعوبة فى تناولها حيث اختلط كل ما هو ايجابى وسلبى بها وهو ما يدعو الى دراسة أخرى. قلت أنك حزين لما يحققه الفيلم من ايرادات لا تتناسب مع حجم ردود الفعل على الرغم من أن الفيلم يحتوى على التوليفة التى تجذب الجمهور وهى الكوميديا؟ - هذا صحيح ولكن مزاج الجمهور حاليا اختلف واتصور أن السبب فى هذا الأمر الوضع السياسى الحالى المليء بالقتامة وعدم وضوح الرؤية فضلا عن أن الجمهور أصبح لديه رغبة فى مشاهدة أفلام غير هادفة وتعالج قضايا ساذجة وهو نفس الأمر الذى عانيت منه فى فيلم الأخير »ساعة ونصف« والذى أشاد به النقاد والمبدعين وبعض من الجمهور ولكنه لم يحقق ايرادات عالية حيث بلغت ايراداته 8 ملايين جنيه فى الوقت نفسه حقق فيلم »عبده موتة« الذى نال العديد من الانتقادات الشديدة ايرادات بلغت 20 مليون جنيه واتصور ان هذا أكبر دليل على أن الجمهور أصبح يعزف عن الافلام الجادة والتى تحاول أن تلقى الضوء على سلبيات المجتمع واتصور أنه نفس المصير الذى يلقاه فيلم »الحرامى والعبيط«. وهل هذا الأمر يؤثر سلبيا على المؤلف؟ - بالتأكيد فانه يدفعه لتقديم أعمال تتناسب مع متطلبات السوق ففى الوقت الذى يحقق فيه فيلم »تتح« ايرادات عالية وهو فيلم واجه انتقادات من قبل بعض النقاد فى المقابل لم يحقق فيلم الحرامى والعبيط الايرادات التى يستحقها فان هذا يؤذينى. وهذا يدفعك لتقديم أفلام من نوعية »تتح وعبده موتة« بهدف الربح المادئ؟ - قد يحدث ذلك بشكل عام ولكن على المستوى الشخصى اتصور اننى لا اكتب ما لا أرضى عنه ولابد من اقتناعى به وأنا لن افقد العزيمة والارادة ولن اتوقف عن كتابة هذه النوعية من الافلام التى لا يميل لها المنتجون فى الوقت الحالى لأننى أصبحت فى مرحلة مختلفة عن بدايتى التى كنت اعتمد فيها على تقديم أعمال كوميدية بعضها حقق نجاحاً كبيرا والبعض الأخرى لم يحقق أى نجاح وكان ذلك بهدف التواجد فأقدمت أعمال تتماشى مع السوق ومتطلباته حتى اننى بدأت أعيد حساباتى ولو عدت لمثل هذه النوعية من الافلام اتصور أن أولادى لا يحترمونى ولكن هناك اعمال كوميدية راقية وتقدم رسالة نبيلة وهو ما اقدمه أيضا. نفهم من ذلك أن خطوتك القادمة تراجيدية أيضا؟ - لا فاننى احضر لفيلم جديد مع ياسمين عبدالعزيز ووائل احسان ولا استطيع البوح عن تفاصيله لانه مازال فى طور الكتابة.