لا يمكن لأية فرقة باليه، أن تثبت وجودها علي الخارطة العالمية للرقص إلا إذا استطاعت فعلاً.. أن تخرج عن نطاق التقليدية الكلاسيكية التى لا يعرفها لكى تثبت وجودها الشرعى.. وبعد ذلك تنطلق منها لتحقيق هوية خاصة لنفسها تعرضها على العالم.. ومن خلاله.. يتأكد مركزها وإشعاعها ومدى مشاركتها فى تطوير هذا الفن شديد الجمال وشديد القسوة معاً.. والذى تزداد شعبيته عاماً بعد عام. والذى يعود إليه الفضل فى تأسيس جذوره محلياً وجمالياً للدكتور ثروت عكاشة الذى قرر إنشاء معهد للباليه عندما كانت مفاتيح وزارة الثقافة بين يديه.. وإرسال البعثات التدريبية لموسكو ونيويورك لإعداد جيل من الراقصين والراقصات قادرين على تسيير دفة السفينة. وتحقق حلم ثروة عكاشة بأكثر بكثير مما كان يتصور.. وازدهر فن الباليه فى مصر.. وأصبح للفرقة تاريخها ونجومها ورمبرتوارها واستطاعت أن تصمد بوجه التنافس العالمى وتحقق لنفسها أسماً ومركزاً.. بل كانت فرقة الباليه الوحيدة فى العالم العربي.. التى حاولت بلدان عربية أخرى أن تقتفى خطواتها دون أن تصل حتى إلى مستواها وتجاربها. واستطاعت الفرقة بجهود نجومها ومديريها أن تقدم للجمهور المصرى روائع فن الباليه.. من خلال الكلاسيكيات الشهيرة كالجمال النائم وكسارة البندق وروميو وجولييت وبحيرة البجع والقرصان.. كما غامرت بتقديم أعمال ذات طابع معاصر جذاب مستعينة أحياناً بكبار مصممى الرقص فى العالم.. مثل موريس بيجار وغيره.. وهكذا رأينا من خلال فرقتنا القومية بالهيات مثل بوليرو وطقوس الربيع وسبارتاكوس وحلم النانجو والأوديسة، وكل واحدة من هذه العروض كانت تقدم فى إطار مبهر وجماليات فائقة يرعاها ويوجهها فنان كبير من الرعيل الأول هو عبدالمنعم كامل. ولكن كل هذه الرياح الحلوة.. كانت تأتينا من أطراف الدنيا الأربعة.. ولم تكن لنا ريح خاصة لنا.. تميزنا عن غيرنا.. حقاً أننا نقدم الأعمال الكلاسيكية والمعاصرة بروح مصرية ووجهة نظر شرقية.. ولكن أين باليهاتنا المصرية قلباً وقالباً. هذا ما أحسه بقوة عبدالمنعم كامل.. عندما قرر إدخال الأسلوب والروح المصرية إلى (ريرفوار) الفرقة الشابة، وهكذا رأينا مثلاً.. الليلة الكبيرة رائعة شاهين ومكاوى تتحول إلى تابلوهات راقصة مدهشة.. ورأينا ملحمة إيزيس وأوزوريس تتجسد من خلال حركات راقصة مؤثرة.. ثم جاءت هذه الليلة المصرية الأخيرة اليت قدمت فيها الباليه المصرية عملية مصريين فى سهرة واحدة.. خطوات شرقية.. موسيقى عطية شرارة.. على أنغام ذات خبراء فولكلورية.. أعطاها التصميم الجديد قالباً غربياً مؤثراً امتزجت فيه الخطوات الكلاسيكية مع النغم العربى.. ثم جاءت باليه النيل.. لتروى قصة حب معاصرة من خلال رؤية تشكيلية وجمالية مبهرة.. معتمدة على موسيقى عمر خيرت. نحن هنا إذن أمام أول باليه مصرية حقيقية تعتمد على موسيقى مصرية مؤلفة خصيصاً لها.. وقصة مصرية تخيلها المخرج الراحل ووضع لها الحركات الراقصة المعبرة.. مبتعداً عن الأجواء الكلاسيكية.. محاولاً العثور على أسلوب عصرى جديد فيه الكثير من التأثر لتيارات الرقص الأوروبى الحديث. أبدع الراقصون وعلى رأسهم أحمد يحيى نجم الفرقة الأول، وهانى حسن.. فى أداء أدوارهم مازجين بين الأداء الجسدى والتعبير الدرامى إلى جانب النجمة الروسية الشابة آنا أمسين التى استطاعت برهافة حس ورشاقة جسد أن تكون فراشة ملونة وطائراً أبيض خفاق، وموهبة حارة من الشوق والحنان. باليه النيل.. تفتح الباب عريضاً لدخول فرقتنا الشابة.. من الباب الذهبى الذى يقودها إلى الحقل العالمى المتسع للرقص الحديث.. فهنيئاً لنا بها.. وهنيئاً لعالم الرقص بهذا الوافد الجديد.