في قلب سحابات الضباب التي أصبحت تحاصر حياتي هذه الأيام . و»سواد النهار« الذي أصبح في روحي أشد عتمة من ظلمة الليل.. قابلت وردة حلوة! تحت نسمة 62 يوليو.. في بداية حي الزمالك.. رأيتها فجأة علي الرصيف. كأنها نسمة رقيقة وسط تراب السخافة في دنياي. طفلة مصرية جميلة. يزيد عمرها قليلاً علي العشر سنوات. ذات وجه ملائكي جميل.. وعينين حلوين. كلهما براءة وجمال. كانت تحمل في يديها ثلاثة »بوكيهات« من الورد البلدي الأحمر.. ورد جميل يليق بجمال وجهها الطفولي البرئ. هي إذن أصغر »بائعة ورد« رأيتها في حياتي.. أما أروع ما كان فهو أسلوبها في بيع الورد. كانت الصغيرة تبتسم في اشراق لقائدي السيارات والمارة علي الرصيف. وتقول بصوت جميل: ياورد.. من يشتريك؟! أنا ! انا ياجميلة لا اشتري وردك البلدي الأحمر فقط. لكني قبل هذا. أتوقف إعجابا بك. وأنت تكافحين في هذه الدنيا الصعبة.. لتساعدي نفسك أو لتساعدي أهلك. ببيع الورد. في »زمن من الشوك«! كم نحن - يا ابنتي- في حاجة ماسة لطفولتك بعد ان شاخت نفوسنا. واصابت مشاعرنا الكهولة. كم نحن في حاجة »للأمل« المرسوم علي وجهك وفي نظرات عينيك. بعد أن تبخر الأمل من حياتنا. وأصبحت يأساً في يأس! أنت يا ابنتي صورة لكن جميلة - مهما كان- لمأساة عمالة الأطفال. الذين يزيد عددهم نصف مليون طفل وطفلة. أجبرتهم الحياة الصعبة.. علي الدخول في معترك سوق العمالة. بينما أقرانهم يمرحون ويلعبون.. ويعيشون طفولتهم الحقة! أنا اشتري وردك ياصغيرة! أنا .. اشتري الأمل! انا .. اشتري الجمال! وانا.. اشتري العبير! ومن أجل عينيك. لا أرعي الورود فقط وأحافظ عليها.. وأسقيها من روحي.. لكن اطالب نفسي وأطالبكم.. بأن أتعلم وتتعلموا. من جديد. كيف نزرع الورد. ونرعاه. ياريت.. نزرع مصر كلها بالورود!