مات الرجل الطيب ولكنه ترك خلفه ألغازا غامضة تحتاج إلى تفسير متعلقة بأسباب وفاته. ..فهناك من يردد أنه تلقى رصاصة مجهولة في ميدان التحرير وهناك من ينفي هذه الواقعة ويؤكد أنه لقي مصرعه برصاصة طائشة على باب منزله .. وبين هؤلاء وهؤلاء مازالت الحقيقة تائهة مثل كرة التنس تبحث عن مستقر لها " اخبار الحوادث " التقت بأسرة المجنى عليه وحققت فى هذا الموضوع وإليكم ما وصلنا إليه. عماد حسن فى العقد السادس من العمر .. صاحب سمعة طيبة فى منطقته بالدرب الأحمر .. يمتاز بحسن الخلق والطيبة والجميع يحبونه لهذه الصفات الحميدة ويحترمونه .. لديه بنتين وولد ويعمل موظفاً بهيئة البريد يوم الواقعة خرج في الثامنة مساءً بعد أن تبادل المزاح مع ابنته ثم قبلها وكأنه كان يعطيها قبلة الوداع .. كعادته فى هذا التوقيت يخرج ليشترى مستلزمات البيت ويعود سريعا .. وقبل أن يخرج سأل على نجله وكان يريد أن يراه وكأن قلبه كان يشعر أن طائر الموت يحوم بين جدران المنزل .. ثم ألقى نظرة عابرة على زوجته التى كانت تجلس فى الحجرة المجاورة وسألها السؤال المعتاد فى مثل هذا الوقت " عايزة حاجة من تحت ياماجده .." لكنها بكلمات يملؤها الرضا والقناعة قالت " لا .. تسلم !" .. هذا هو حال هذه الأسرة الصغيرة .. الرضا والقناعة صفة من صفات هذا المنزل المعروف عنه الكرم فى المنطقة. كانت هذه الكلمات بمثابة آخر كلمات لعماد الذي خرج وبعد خروجه مباشرة سمعت ابنته وزوجته صوت طلقات نار .. اعتقدت الزوجة أن زوجها لايزال امام الباب .. وكان قلبها مطمئنا . مصدر صوت هذه الطلقات النارية اسفل الشارع مجموعة من الشباب يقفون اسفل المنزل يهرجون مع بعضهم لكن لا احد مطلقا يعتقد أن هذا التهريج سيكون بالسلاح النارى .. فالشعب المصري لم يعرف هذه العادات السيئة مطلقا وخاصة فى مثل هذه الأحياء الشعبية التي يحترم فيها الصغير كبار المنطقة .. لكن يبدو أن الطبائع والعادات تغيرت مثلما تغير كل شيء .. فأصبح السلاح فى يد الجميع واصبح التهريج بالسلاح الأبيض والسلاح النارى شيئاً عادياً كما اصبح عدم احترام الكبير والمثل الأعلى امراً طبيعياً ونلاحظ ذلك فى الشوارع والحارات ووسائل المواصلات المختلفة . لايزال هذا المشهد المحير مستمرا .. مجموعة من الشباب احدهم يقف وسطهم يمسك بيده فرد خرطوش .. يصوبه ناحية احد اصدقائه ويهرج معه .. يهدده أنه سوف يضرب .. الضحكات تتعالى فى المكان .. زملاؤه يفرون من امامه خوفا على حياتهم على سبيل المزاح والتهريج .. وهو الآخر يتوجه بالفرد ناحيتهم في وصلة من الضحك والتهريج غير المستحب والخارج عن كل القواعد والأصول .. خلال هذه اللحظات كان عماد حسن يخرج من باب منزله .. وينظر ناحية الشباب الذين يضحكون .. لمح ببصره مصطفى فتحى ابن الجيران الذي يمتلك محلا تجارياً فى المنطقة وكان ينوى ان ينادى عليه ليذهب معه لشراء هذه المستلزمات .. لكن هنا ضغط مصطفى على زناد الفرد دون أن يشعر وكان زميلاه باسم الذي يبلغ من العمر 28 عاما وحسن رشدى السائق والذي يبلغ من العمر 46 عاما بعيدين عنه خوفا من أن ينقلب هذا المزاح الى جد . بالفعل ضغط مصطفى على زناد فرد الخرطوش دون أن يشعر ناحية بوابة منزل عماد الذي صادف خروجه فى ذلك الوقت فأصابته طلقة فى بطنه وعدة طلقات فى رأسه ولأن المسافة كانت على بعد مترين او ثلاثة امتار استقرت الرصاصة واحده بطن المجنى عليه واخرى فى رأسه .. سقط عماد على الفور دون ان يشعر غارقا وسط دمائه التى انهارت منه بغزارة . نداء الموت قبل ان يخرج عماد من المنزل كان ينادى على ابنته وظل ينادى عليها لفترة بسيطة .. تأخرت الفتاه بعض الوقت واثناء هذه اللحظات خرجت لترد على والدها لكنها سمعت صوت اطلاق النار وبعض الشباب يحملون والدها ناحية سيارة ويسرعون به إلى المستشفى كما سمعت كلماتهم إلى بعضهم البعض . اسرعت الفتاة الى امها لتبغلها بما شاهدته وخلال ذلك كان الشباب الثلاثة وبعض اهالى المنطقة قد حملوه إلى المستشفى وهناك كانت المأساة ولا احد يعرف سبب ما قاله مصطفى إلى الطبيب عندما سألهم عن سبب الوفاة .. فإذا بمصطفى يقول انه كان بصحبتهم فى ميدان التحرير واصابته رصاصة طائشة وسقط فقاموا بحمله إلى مستشفى احمد ماهر لقربها من منزله .. على الفور ابلغ مدير المستشفى العقيد محمد محجوب رئيس مباحث الدرب الأحمرالذي اسرع الى مستشفى احمد ماهر وحرر بلاغا بالواقعة وطلب من الشباب الثلاثة ان يذهبوا معه لأخذ اقوالهم فى الواقعة . حضرت اسرة القتيل وابنته وابنه احمد وتعجبوا عندما سمعوا أنه لقى مصرعه فى ميدان التحرير .. لكن حاول الحاضرون ان يهدئوا من روعهم وخاصة عندما ابلغهم الطبيب أن والدهم قد توفى نتيجة اصابته برش الخرطوش .. سقطت ابنته فى حالة إغماء وانهارت زوجته ودمعت عينى ابنه الذي حزن بشدة على والده .. لم يفكروا كيف مات من هول الصدمة .. كل ماكان يشغل تفكيرهم هو الحصول على تصريح الدفن بعد تشريح الجثة عندما امرت النيابة بتشريحها لمعرفة سبب الوفاة .. وبالفعل عاشت اسرة القتيل يومين عصيبين كانوا ينتظرون وصول جثة المجنى عليه امام مشرحة زينهم إلى أن خرج تقرير الطبيب الشرعى وتم دفن عماد المجنى عليه . تعديل أقوال كان العقيد محمد محجوب رئيس مباحث قسم شرطة الدرب الأحمر قد حرر محضرا بالواقعة وبسؤال اصدقاء المجنى عليه عن سبب الوفاة أكدوا له فى البداية انهم كانوا فى ميدان التحرير لرؤية ماذا يحدث هناك من مظاهرات واعتصامات واثناء سيرهم أصابته رصاصة لم يعرفوا مصدرها . استمر رئيس المباحث فى سؤالهم كما استجوب ابنة المجنى عليه وزوجته اللتين اكدتا أن المجنى عليه كان قبلها بدقائق معهما وخرج لشراء بعض الاحتياجات المنزلية وبعدها سمعتا صوت الرصاص وشاهدتا هؤلاء الأشخاص يحملونه داخل سيارة وبعدها عرفتا أنه مات فى المستشفى . عاود رئيس المباحث مواجهتهم بما قاله اهل المجنى عليه وبعض شهود الواقعة من المنطقة غيروا أقوالهم واعترف مصطفى أنه كان بحوزته سلاح خرطوش ويهرج به مع اصدقائه إلا أنه خرج منه رش بعد الضغط عليه عن طريق الخطأ ولم يكن يقصد قتل المجنى عليه الذي تربطه به علاقة طيبة ومحترمة .. وانه قال ذلك خوفا من انتقام اسرته وأنه لم يكن مصدقا انه قتل اعز الناس إليه وجاره الطيب عماد فأراد أن يبعد الشبهة عنه وفى نفس الوقت يثبت أن المجنى عليه توفى شهيدا. اثناء هذا الوقت كانت اسرة القتيل لاتزال تسير فى إجراءات الدفن والعزاء ولم يعلموا الحقيقة كاملة بعد كما انهم على يقين أن جارهم قد اصاب والدهم بالخطأ ولم يقصد ابدا قتله لمعرفتهم طبيعة العلاقة بين مصطفي ووالدهم عماد .. ولايريدون أن يحكموا بتسرع دون التأكد من السبب لكنهم الآن فى حالة من الحيرة فهناك شكوك تراودهم انه ربما حدث خلاف بين المجنى عليه والقاتل مما دفعه لضربه .. كما انهم ايضا على يقين انه لم يقصد قتله !.. الشيطان هنا يلعب دوره ويحاول الوقيعة . التقينا بأسرة المجنى عليه وكانوا يأخذون العزاء فى سرادق امام المنزل .. حالة من الحزن تسود المنطقة والجميع يرتدى اللون الاسود حزنا على عماد الذي يحبه ويحترمه الجميع . فى البداية قالت زوجته ماجدة التى تعمل موظفة بالبريد ايضا قائلة ودموعها كانت تسبق كلماتها : زوجى خرج لشراء بعض المستلزمات لكن لحظات وفوجئنا به ينادى على ابنته واثناء نظرها شاهدت هؤلاء الشباب وهم يحملونه داخل سيارة متجهين إلى المستشفى .. ذهبنا خلفه وهناك سمعنا روايات كثيرة أنه مات فى التحرير وأنه توفى وفاة طبيعية واخيرا وهذا ما اكتشفه رئيس المباحث أن الجانى أكد فى المحضر أنه لقى مصرعه فى ميدان التحرير وهذا ما نفيته حيث انه كان خارج من منزله قبلها بدقائق كما انه لم يكن من المترددين على التحرير. هنا التقط ابنه طرف الحديث متسائلا : هل يصح أن يمزح شباب على ناصية الشارع بالسلاح ؟.. ولماذا اخفوا أنه توفى امام منزله وما السبب الذي جعلهم يغيرون أقوالهم بغير الحقيقة ؟.. انهى كلامه قائلا : علينا انتظار التحقيقات حتى لانظلم احدا ونحن لانريد سوى القصاص لو أن هناك سببا عمديا وراء الجريمة.