من بين العشرات من المواضيع والقضايا الملحة التي تتزاحم علي خاطري وتتجمع أمامي كل يوم رأيت أن أبدأ بالحديث في سلسلة من المقالات عن حاجتنا لإعادة بناء منظومة القيم الوسطية والتي ينبغي أن تسود بين أبناء الشعب المصري في عهد ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.ومما لا شك فيه أننا كنا نتمتع بمجموعة من القيم الأصيلة التي تعبر عن أصالة هذا الشعب وتاريخه وحضارته التي يتغني بها العالم أجمع والتي يتميز بها المجتمع المصري عن غيره علي مدي عصور مديدة لم تتأثر بطول الزمن وبعد العهد.فالإيمان العميق بالله الذي يتميز به المصري، والأمان والميل الفطري إلي السلم والموادعة والذي يكفي للتدليل عليه قول الله تعالي: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين).والتسامح والتفاهم واتساع الأفق واستيعاب الأفكار والآراء والترحيب بالحوار كلها مفاهيم إيجابية تميزنا بها لزمن طويل، فكانت مصر علي مر التاريخ ملجأً للأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم وكذلك العلماء والمفكرين، وكانت مستقراً لكثير من الوفود النازحة والتي أوت إلي أرض مصر العظيمة علي مر العصور من رومان ويونان وقبائل عربية ومغاربة وأتراك وغيرهم كثير، كل هؤلاء انصهروا وتمازجوا داخل النسيج المصري في تناغم جميل وفريد لا تشعر فيه بالتمييز ولا الاضطهاد، قد ذابت الفوارق وزالت الحواجز. ولا أهدف هنا إلي الاسترسال والاستقصاء لمنظومة القيم النبيلة التي ورثناها عن المصري القديم.ومنظومة القيم التي يدين بها المجتمع هي التي تحركه نحو السلوك وتدفعه نحو العمل بطريقة ما وتكون مرجعاً له في الحكم علي السلوك بأنه إيجابي أو سلبي، محمود أو مذموم من قبل المجتمع.ومنظومة القيم الأخلاقية الإيجابية هي مجموعة من الصفات المعيارية تؤدي إلي الارتقاء بالحياة الاجتماعية والنهوض بمستويات المعيشة ورقي السلوك الإنساني، وكلما كان الإطار القيمي يضم مجموعة من المبادئ الأخلاقية الإيجابية ويبتعد عما هو سلبي، ويرتقي النشاط الإنساني بين أفراد المجتمع، ويصبح هناك قبول عام واتفاقات مجتمعية حول أفكار ومعارف ومعتقدات وطرائق للتفكير وعادات وأساليب للحياة وموضوعات جمالية لصالح الفرد والمجتمع. ومنظومة القيم الأخلاقية ما هي إلا انعكاس لمنهجية التفكير عند الناس، ولأساليبهم التي يفكرون بها في سياق اجتماعي محدد وفي فترة زمنية معينة. وتشكل القيم منظومة ثقافية أخلاقية ترشد الأفراد وتحدد سلوكياتهم وتحدد أحكامهم واتجاهاتهم فيما يتصل بما هو مرغوب فيه من أشكال السلوك في إطار ما وضعه المجتمع من قواعد وأسس ومعايير وشروط يستمدها من مصادر مختلفة: دينية وثقافية وبيئية واجتماعية. وهنا تتدافع الكثير من التساؤلات التي تفرض نفسها: ما هي منظومة القيم التي نأمل أن تسود المجتمع المصري؟ وما هي التحولات السلبية والإيجابية التي طرأت علي مجتمعنا؟ وكيف ضعفت القيم الإيجابية ولماذا قويت القيم والسلوكيات السلبية؟ وغيرها من القضايا التي سنحاول تباعاً الوصول إلي حلولها إن شاء الله تعالي.