أكد مراقبون للمشهد الاجتماعى فى مصر ان ارتفاع معدلات النمو وتحقيق العدالة والحرية وسد منابع الفساد وتنمية العنصر البشرى بالاضافة الى الدعم السياسى للمواطن والوعى الجماهيرى بالحقوق والواجبات عوامل تساعد جميعها فى إيقاظ الضمير الاجتماعى العام للمواطنين بما يساهم فى رتق الثقوب التى أصابت الضمير المصرى مؤخرا ، وأدت به الى ما لم يعهده الكثير فى أخلاقيات الأفراد . تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأشار المراقبون الى ان تعرض المجتمع المصري في العقود الأخيرة لتحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية عديدة أحدثت انقلابا في منظومة القيم الاجتماعية الإيجابية التي صاغت سلوك المصريين ، ووحدت توجهاتهم وصبغت الشخصية المصرية بطابع فريد من المروءة والجدية والإتقان والتسامح واحترام الآخر والصدق وإنكار الذات وغيرها من القيم الأصيلة، وأفسحت هذه التحولات المجال لقيم سلبية معوقة وشوهت السلوك النمطي للشخصية المصرية. وذكروا ان الضمير الاجتماعى العام فى مصر تعرض الى هزات وقلاقل وعلى قدر عنفها بدى حجم العطب الذى أصابهم وما لحق به من ثقوب نفذ من خلالها ، وكلما اتسع الثقب ينتقص من حقوق الاخرين فيأخذها من لا حق له ، إن ما آلت اليه الأوضاع الأخلاقية فى مصر تجزم ان هناك تحولات أخلاقية فى المجتمع.
اختفاء قيم التواد والتراحم
وترجع تداعيات تدهور منظومة القيم لعدة أسباب منها تعقد الحياة واختفاء قيم التواد والتراحم ، وعدم الحرص على احترام انسانية الآخرين وانتشار الفردية والأنانية الذاتية ، وانعدام القدوة وعدم المساواة فى العقاب . كما ترجع الى تأثر المجتمع المصرى بما عند الآخرين بعد أن قربت المسافات بين المجتمعات ، وأصبح العالم كله قرية صغيرة ، فبات التأثر أكثر سرعة فى مجتمع ينتمى الى الأسرة الانسانية يؤثر فيها ويتأثر بها ، الى جانب تأثير البيئة الإقليمية كالحروب والنزاعات التي شهدتها المنطقة العربية والأسباب الخاصة بالبيئة الدولية وعلى رأسها العولمة، وطبيعة النظام العالمي الجديد. ولتطور القيم في المجتمع المصرى خلفية تاريخية عبر العصور المختلفة، وترتبط كل مرحلة بطبيعة التغيرات الاقتصادية والسياسية التي يشهدها المجتمع، ومظاهر الصعود والهبوط في كل عصر ، وترخى هذه التغيرات بظلالها على القيم العليا في المجتمع ، فتراجعت العديد من القيم مثل الخير والحب، والإحساس بالأمان والطمأنينة، والعدالة، والقدوة، وقيمة العلم والتفكير العلمى، والعمل، والأمانة، والأسرة، وتغيرت قيم الريف، وتراجعت قيمة الانتماء للوطن، وغموض القيم العامة. والتغيرات الاجتماعية والسياسية فى السنوات الثلاثين الماضية،أثرت فى نفسية الفرد فأصبح غير منتج ، والحل طويل المدى لتحسين الاقتصاد لا يأتى بتغيير نفسية الفرد واحساسه بالانتماء ، وانه يملك ويعمل فى وطنه ولا سبيل لذلك إلا بالديمقراطية والحرية، ويجب البدء من الآن حيث ان التغيير النفسى يجب ان يسبق التغيير السياسى والاجتماعى والاقتصادى لانه ينبع من العمق والاقناع . ولايمكن نضوج هذه السمات الا من خلال تحميل المسئولية والمشاركة فى اتخاذ القرار والرأى وعدم الاعتماد والمثابرة وتأجيل الملذات العاجلة والانتهازية الفردية الى المكافاة الاجلة والحب والانتماء للجماعة ، ويتجلى هنا تأثير ودور الاسرة والمجتمع. و لقد داهمت الأسرة المصرية ظروفا عديدة بفعل تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، حيث انتشر التطور وشمل المجتمع كله فأصبح البيت المصرى الأكثر ترابطا يحفل بمعطيات جديدة وصيغة اجتماعية استحدثتها حاجات الآباء والأمهات معا للعمل والبقاء فترات طويلة خارج المنزل ، وانحسرت سلطتهما على الاولاد شيئا فشيئا وتوقف الحوار والحديث بين أفرادها وأضحوا جزرا متباعدة.
الشخصية المصرية تتميز بالتسامح
والشخصية المصرية تتميز بالتسامح الذى أحيانا ما يصل الى حد التسيب والمثابرة بالرغم من الحماس الشديد الوقتى الذى سرعان ما يخمد والى الاعتماد مع ايثار الفردية فى العمل على روح الجماعة ، وظهرت سلبيات كثيرة أثرت على المواطن المصرى فأصبح يشعر انه جزيرة منعزلة مستقلة عن الوطن يعانى من وحدة وانكفاءات على الذات وبات الأصدقاء والغرباء خصوم فى بعض الأحيان لما يستقر فى ذاته من ادانة اجتماعية تجاه الاخرين . ولتحقيق رؤية طموحة مثل الرؤية المستقبلية لمصر يجب طرح إستراتيجية تعالج الخلل الراهن في منظومة القيم والتحول نحو منظومة جديدة من القيم الإيجابية الدافعة للتقدم وسط بيئة إقليمية ودولية صعبة وسريعة التغير و سوف يصاحب ذلك ارتفاع معدلات النمو والعدالة وانتشار تدريجي واسع لمنظومة من القيم الاجتماعية والأخلاقية الإيجابية القادرة على الانتقال بمصر من دولة نامية إلى دولة متقدمة متكاملة إقليميا ومندمجة عالميا. وللوصول إلى هذه الرؤية يجب العمل على تنمية العنصر البشرى القادر على المحافظة على قيمه الأصيلة والإيجابية والقادرة على تحقيق الرؤية المستقبلية لمصر ، حيث تحتل تنمية الموارد البشرية المكانة الأولى بين متطلبات التقدم لاى دولة، والمدخل الأساسي لتحقيق رؤية مستقبلية وطموحة لها.
سد منابع الفساد
ويتطلب تنفيذ تلك الإستراتيجية تضافر كافة قطاعات المجتمع الحكومي والمدني ووعى جماهيري ودعم سياسى، كما يتطلب أساسا ماديا يضمن تأمين حاجات الإنسان الأساسية، ويحميه من الحاجة، ويسد عليه منابع الفساد والإفساد، ويصون كرامته بالعمل والعدل والحرية.