كانت الدعوة الإسلامية.. ولا تزال.. بحاجة ماسة إلي دُعاة يحسنون اختيار ألفاظهم. ولا يفرطون في الكلام أمام الشاشات من غير تدقيق. فإن لفظاً واحداً قد يتلفظ به داعية يفسد به كل ما قدمه من النصح. ويكشف فيه نقيصة تشكك في مقدرته العلمية ومدي صلاحيته للجلوس في مقعد الداعية. وأكثر دعاتنا من هذاالقبيل المفرط في الحديث. والذي لا يخجل من أن يقول كلاماً سخيفاً لا يقره الدين. ولا يتفق مع هَدي سيد المرسلين "صلي الله عليه وسلم". ومن هذا القبيل ما سمعته من أحد المتحدثين المفروضين علي الناس أسبوعياً في برنامج "مصر النهارده" دون أسباب معروفة. أو لا يعلمها غير علام الغيوب. سبحانه. حين قال في أحد أحاديثه التي وقف أمامها المذيع فاغراً فاهُ دون أن يصوب له أو ينبهه إلي خطورة ما يقوله. قال المتحدث: إننا جميعاً موظفون عند الله. وكررها أكثر من مرة كأنه يريد أن يحفظ الناس عنه هذا الغثاء الذي لا يقوله طالب علم مبتدئ. فإن مَن له أدني إلمام بعلوم الإسلام أو يكون في كلامه أدني قدر من أدب الحديث عن الله عز وجل لا يمكن أن يستبيح لنفسه أن يصور علاقة العبد بربه علي أنها علاقة وظيفية. مثلها كمثل العلاقة التي تربط الموظف بمديره أو المرءوس برئيسه "حاشا لله. وتعالي الله عن ذلك علواً كبيراً". إن تصوير العلاقة بين العبد وربه علي أنه موظف عند ربه. فضلاً عن إساءة أدب الحديث فيه لا يمكن أن يعبر عن حقيقة تلك العلاقة تعبيراً صحيحاً. لأن حقوق الله علي عباده حقوق مطلقة. فهو يستحق العبادة لأنه هو الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه. ولا يملك مخلوق كائناً مَن كان أن يلزم ربه بأن يدفع له مقابل طاعته له. لأن تلك الطاعة لو كانت كاملة ومستغرقة لكافة نشاط الإنسان وجميع وقته وحياته. فإنها لا يمكن أن تكافئ ذرة من نعم الله علي الإنسان في صحته أو أهله أو أولاده أو ماله. أو حتي ظفرا أو شعرة من بدنه. ومن المعلوم أن الله لا يجب عليه شيء قال سبحانه: "لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون". ولأن إلزامه بدفع مقابل العبادة يقتضي استعمال القوة من طالب الحق. والله قاهر فوق عباده. لا يغلبه غالب. ولا يلزمه عبده الضعيف المخلوق له. ولهذا كان عقابه عدلاً. وثوابه فضلاً. إن أثاب فبفضله. وإن عاقب فبعدله. لا يملك أحد أن يطالبه بدخول الجنة لأنه عمل صالحاً أو عبده كما يجب. حتي رسول الله "صلي الله عليه وسلم" وهو أشرف الخلق. فقد صح في الحديث عنه: "لن يدخل أحدكم عملهُ الجنة.. قالوا ولا أنت يا رسول اللَّه؟.. قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته". هذه العبودية المطلقة لله لا يمكن أن يستقيم تصورها بوجه من الوجوه علي أ نها "علاقة وظيفة". وأن الناس موظفون عند ربهم. كما قال صاحب هذا الكلام الغث. الرديء. في برنامج يقدمه التليفزيون الرسمي للدولة. والذي يصر من يقدمونه علي أنه اكتشاف العصر. ومعجزة الزمان. إن الناس لو كانوا موظفين عن اللَّه لكان من حقهم أن يُضربوا عن عبادته حتي يضمن لهم الجنة. أو إذا نزَّل بهم من قضائه ما لا يقدرون علي تحمله. وهنا لن يكون الإيمان بالقَدَر خيره وشره. حلوه ومره. وارداً. بل سيكون الإيمان الصحيح باللَّه غير ملزم لهم إلا إذا أخذوا مقابلاً مادياً للَّه. فإن علاقة الموظفين بمن يعملون عنده. علاقة تبادلية. لهم حقوق وعليهم التزامات. ولمديرهم حقوق. وعليه التزامات. وتتابعات تلك القضية شائكة وخطيرة. وقد فجرتها لفظة سفيهة صدرت من شخص يراد فرضه علي الإنسان وهو لا يحسن اختيار ألفاظه. إن فرض أشخاص علي المشاهدين أصبح لوناً من ألوان الاستبداد الإعلامي الذي كان يمارسه الإعلاميون في عصور الإعلام الشمولية التي لم تكن تعير عقول المشاهدين أدني احترام. وكانوا يفرضون وجوهاً لا يعلم ما وراءها غير علام الغيوب سبحانه. وقد ولَّت تلك الأيام البالية إلي غير رجعة. .. يجب احترام عقول الأمة. وإلزام كل طالب بحجمه..