الواقع العربي واقع أليم بكل المقاييس حيث تعصف به رياح عاتية قد بدأت تزعزع أوتاد خيمته وتطيح بها وهي تلك الخيمة التي زادت تخرقاتها بفعل العديد من العوامل بعضها داخلي بالتأكيد نتيجة شيوع روح الانقسام وسيادة نزعة القطرية واعتبارها فضيلة وناموساً وتابولاً يجوز الاقتراب منه وذلك الاعتقاد الخاطئ الذي مرده الطموح الشخصي والتمسك بأهداب السلطة والسلطان والانتشاء بالأمجاد الشخصية هذه كلها عوامل قد أدت إلي عدم نجاح أي مشروع للوحدة العربية وقد جعلتها أحد المستحيلات كالعنقاء والخل الوفي.. لقد شاع ذلك القول الذي لا هو بالمأثور ولا مبعث للسرور وهو اتفق العرب علي ألا يتفقوا وكأن ذلك قد صار أحد خصائص الشخصية العربية التي تميل إلي الفرقة وتنتشي بالخلاف والاختلاف بل وتتغذي عليه وتنمو يوماً بعد الآخر روح الفرقة في داخل الجسد العربي الممزق.. العالم كله قد أقر بفضيلة التعاون وأدرك أنه لا حياة للبشرية علي سطح ذلك الكوكب دون التكاتف والتعاون حتي في أشد الخلافات بينهم وحالات الحقد والكره سواء العقائدي أو العرقي تراهم يتغاضون عنها ويجدون في إثر التعاون لأنهم يقدرون الأمور حق تقديرها وهم يقسمون صدورهم وقلوبهم لمثل هذه التكتلات والاتحادات لأنهم يؤمنون بوحدة المصير المشترك وأن لهم حياة واحدة وكوكب واحد لا بديل عنه فإن دمروه قد قوضوا وجه الحياة عليه وساروا في ظلات الموت نحو النهاية الحتمية كل الدول أصبح بينها تكتلات وتحالفات وقد حاولت أن توجد المبررات لهذه التحالفات والتكتلات بل واختلافها حتي وإن لم تكن موجودة من الأصل لأنهم يؤمنون بمصلحتهم وايضا يجب أن تعلي فوق كل الاعتبارات فأين نحن من هذا كله؟ وعلي الرغم من ذلك فمازلنا ثابتين علي روح الفرقة وترويج تجارة الانفصال والانقسام وكأنها الحق وما عداها هو الباطل.. تلك هي آفة الأمة العربية وداؤها المزمن الذي لم تحاول أن تتخلص منه.. مما يؤسف له أنه في العديد من الجلسات التي تضم بعضاً من الاخوة العرب والمثقفين عندما تتناول أطراف الحديث حول أحوال العرب والوحدة العربية نري الحديث قد أخذ سمة تهكم وسخرية وهو ما يعلن بصراحة عن حالة المزاج العربي في هذه القضايا المصيرية.. العامل الثاني في إشاعة روح الفرقة ما بين العرب أو استغلال وتذكية ذلك التوجه والتيار فيهم لأن ذلك يخدم في النهاية مصالحهم ولكن التبعة في النهاية والتداعيات علي الأمة العربية وأحوالها التي لا تسر عدواً ولا حبيباً وللأسف تعد السودان هي النموذج الأكثر وضوحاً علي تلك الحالة من التشاؤم العربي والتي تجسد في ذات الوقت روح الانقسام والانفصال وكيف أنها قد استقرت داخل النفوس حتي ولو تعددت الأسباب التي أدت إليها سواء كانت داخلية أو خارجية وكيف أن الكل قد بات يتوقع ذلك الانفصال الذي يسير بخطي حثيثة وكأنه شيء تتمناه القلوب والأغرب ما في الأمر هو أن الكل بات يستعد للانفصال وبات يتوقعه بل إنهم قد أعدوا العديد من السيناريوهات للتأقلم مع ذلك الانفصال علي الرغم من أنهم يعلمون أنه شر يستطر سوف يأتي علي الأخضر واليابس وأن أول نتيجة مباشرة لنزعة الانفصال هو حرب دامية لن يقتصر أثرها علي السودان الذي سوف تمزقه شر ممزق وتقضي علي ما بقي من تلك الأوصال وذلك ما جاء في تصريحات نائب الرئيس السوداني نافع علي نافع الذي يتوقع أن تكون منطقة أبيي المتنازع عليها بين شمال البلاد وجنوبها وايضا مياه النيل التي تعد علي رأس هذه القضايا والتي من المؤكد أنها أحد المؤرقات بالنسبة لمصر ولاسيما في ظل تلك التوترات بين دول المصب والمنبع وكذلك تلك التدخلات الأجنبية وعلي رأسها التوغل الإسرائيلي والأمريكي هناك وهو أحد الأسباب التي تزيد من احتمالات الحرب والصراع وتذكية القتال وعلي الرغم من تصريحه بأن المعركة الحقيقية التي تقودها حكومته هي محاولة تفادي ذلك الصراع من خلال إقامة جسور الحوار مع الحركة الشعبية لتحرير السودان وقد أقر في ذلك الوقت أن الجنوب يقر الانفصال ويسعي إليه من خلال تحريض الناخبين علي التصويت للانفصال وذلك بحسب ما جاء بالصحيفة اللندنية وقال ايضا أن فصل الجنوب سوف يكون مقدمة لتنفيذ مخطط أجنبي لتقسيم السودان إلي 4 دويلات وفي الوقت نفسه قد لوح إلي تحرك جامعة الدول العربية قد تحركت إزاء قضية السودان بعض الشيء وإن موقفها أكثر اختلافاً عن العراق وذلك بسبب الأهمية الاستراتيجية للسودان لمصر وبسبب قضية مياه النيل ومع ذلك هناك حالة من الاتهامات من جانب كلا الجانبين والكل أي كل جانب يحاول أن يلقي بتبعة ما يحدث وما سوف يترتب عليه من تداعيات علي الآخر وهي ايضا روح غريبة لا تعني سوي المزيد من الاختلاف التي تكرس طريق الانفصال والانقسام وأن روح الانقسام موجودة كتيار أصيل داخل الشعب السوداني علي الرغم من أنهم يعلمون علم اليقين النتائج التي يمكن أن تترتب علي ذلك الانفصال.. الحقيقة هي أن الانفصال في السودان هو تعبير عن توجه داخلي وتعبير عن الحالة النفسية المرضية التي ضربت العالم العربي في مقتل وهي التي أدت إلي تلك الحالة من التردي التي بات عليها العالم العربي والتي تنذر بتقسيمه إلي مجموعة من الدويلات ذات الخلفية العقائدية والعرقية أي أن خلفيتها الأساسية هي الطائفية التي تعد المصدر للصراعات والحروب الضارية أي صراع الضواري الشرس الذي لا يبقي ولا يذر إن ما يحدث في السودان قد صار نموذجاً لمشروع التقسيم والتفتيت للمنطقة وإغراقها في بحر من الدويلات المتناحرة والذي يعد أو يخدم في النهاية هدفاً ومرحلة في مخطط أكبر وأعمق قد لا يكون بخفي عنا أو نجهله ولكننا مع ذلك لا نعرف تفاصيله الكاملة ولكن الذي نعرفه هو أن إسرائيل هي محور ذلك المخطط.