كل المرشحين الذين سقطوا في انتخابات مجلس الشعب بمن فيهم مرشحو الحزب الوطني خرجوا في الفضائيات وصرحوا لكل الصحف وعقدوا المؤتمرات الجماهيرية والصحفية ليعلنوا تزوير الانتخابات ويؤكدوا ان رسوبهم كان بسبب التزوير الفاضح والفاجر الذي شهدته جولتا الصراع علي عضوية المجلس الموقر!! لم يقل لنا المرشحون الراسبون من هم الذين زوروا الانتخابات بالضبط: هل هي الحكومة؟ أم الحزب الوطني؟ أم الأجهزة الأمنية؟ أم الشعب المصري الذي أدمن تزوير كل شيء ثم يلقي باللائمة علي الحكومة والحزب؟! لقد تحدي الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء إثبات تورط أية جهة رسمية في حالات التزوير التي وقعت في الانتخابات الأخيرة. ورغم عدم قناعتي بسياسات ومواقف الدكتور نظيف إلا أنه في هذا التصريح بالذات معه كثير من الحق. فلا توجد أدلة وبراهين تثبت تورط الحكومة من خلال موظفيها الذين أشرفوا علي الانتخابات في حالات التزوير التي وقعت.. ولا يوجد ما يثبت تورط الأجهزة الأمنية التي كان دورها محددا وهو مواجهة أي انفلات أمني أثناء العملية الانتخابية.. ولا يوجد ما يثبت تورط الحزب الوطني حيث لم يضبط أي عضو من أعضاء الحزب وهو يسود بطاقات الانتخابات. ولا يعقل أن نتهم القضاة الذين أشرفوا علي الانتخابات بالتزوير أو السماح به أو غض الطرف عنه. إذن: المسئول الأول عن حالات التزوير التي وقعت في العديد من الدوائر الانتخابية هم "نحن". نحن الذين زورنا الانتخابات لبعض المرشحين بارادتنا ورغبتنا وبالرشاوي الانتخابية التي قدمت لنا. نحن الذين خرجنا نبلطج ونحمل الأسلحة النارية والبيضاء والسنج والسيوف ونرهب كل الناخبين لكي يزوروا الانتخابات لصالح من يملكون المال والذين دفعوا لنا أو خدعونا وأفهمونا انهم الأصلح والأجدر. نحن الذين تخلينا عن النزاهة والأمانة وأعطينا أصواتنا لمن لا يستحقها وساعدنا محترفي التزوير علي تحقيق أهدافهم الدنيئة والحصول علي مقاعد لا يستحقونها داخل المجلس الموقر. لا ينبغي أن نفعل "الجريمة" ونتهم بها الحكومة أو الحزب أو الأمن.. لابد أن نعترف في شجاعة بأننا المسئولون عن حالات التزوير التي وقعت في بعض الدوائر واننا المسئولون عن الالقاء ببعض المرشحين تحت قبة البرلمان وحرمان الجديرين من هذا الشرف الكبير. كان بامكاننا كشعب أن نقف ضد التزوير لو خرجنا جميعا إلي صناديق الاقتراع وتمسكنا بحقنا فنسبة الذين شاركوا في الانتخابات من الأسماء المدرجة في الكشوف الانتخابية كانت 35% في الجولة الأولي و28% في الجولة الثانية وفقا للأوراق الموجودة داخل الصناديق.. ورغم تشكيك البعض في هذه الأرقام إلا أنها تظل أرقاما مخزية حيث لم يتجاوز المشاركون فعليا أو بالتزوير "الثلث" وهي نسبة لا تليق بشعب يتكلم ويتظاهر ويحتج ويطالب بحقوقه السياسية أكثر مما يعمل وينتج!! *** علينا أن نعترف أن الغش والتزوير والتلفيق والنفاق سيطر علي كل حياتنا. فالتعليم الذي نلقنه لأبنائنا في المدارس والجامعات يقوم معظمه علي التلفيق والغش. وكثير منا يتحايل ويبدع في الخداع لكي يتهرب من أعماله والتزاماته الوظيفية ومعظمنا يوظف وقته وجهده لتحقيق مصالحه الشخصية علي حساب الصالح العام.. و35% من الأدوية التي نتناولها لعلاج أمراضنا وتخفيف آلامنا مغشوشة ومصنوعة تحت بير السلم باعتراف خبراء الأدوية وكبار الصيادلة.. وأكثر من نصف الأطعمة والمشروبات التي نتناولها ضارة جدا بالصحة لما فيها من كيماويات ومبيدات وعناصر صناعية.. وأجهزة الرقابة علي الأسواق تضبط كل يوم عشرات الأطنان من اللحوم والأسماك غير الصالحة للاستهلاك الآدمي ورجال الأعمال الذين يستوردون لنا القمح واللحوم وغيرها من المواد الغذائية يغشوننا يوميا دون أن يحاسبهم أحد والرشوة تنتشر بين أكثر من 90% من موظفي المحليات باعتراف وزير التنمية البشرية!! إذن: لماذا الانتخابات وحدها التي نريدها نزيهة وخالية من الغش والتزوير؟! علينا أن نصارح أنفسنا ونعترف بأن حياتنا كلها أو معظمها تقوم علي الغش والتزوير والخداع والنفاق.. وإذا كنا نريد نزاهة وأمانة في الانتخابات فعلينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ونتخلي عن الغش والتزوير في ممارساتنا اليومية. قبل أن نطالب الحكومة بمنع الغش والتزوير علينا أن نمنعه نحن في حياتنا فلا أحد يستطيع أن يجبرنا علي الغش والتزوير. نحن الذين يستخدمنا مدمنو التزوير لنزور لهم كل شيء. بصراحة: نحن شعب لا يستحق انتخابات نزيهة!! [email protected]