عادت موجات ارتفاع أسعار السلع الغذائية مرة أخري ويبدو التعامل معها هزيلا وكأنها مفاجأة وهي ليست كذلك. والتنبؤات التي ظهرت منذ شهور كانت تشير إلي ارتفاع أسعار السكر والأرز وزيوت الطعام بالإضافة إلي الحبوب وكان يجب التعامل مع هذه التنبؤات بجدية حتي لا يدفع الفقراء وغير القادرين تكلفة باهظة. والحديث عن الاكتفاء الذاتي أو تحقيق نسب منه أصبح أمرا بعيدا بسبب زيادة الاستهلاك وغياب سياسة زراعية قادرة علي رفع نسب الاكتفاء الذاتي وهي سياسة زراعية تعتمد للأسف علي فتح الأبواب للاستيراد. وعندما وقعت أزمة اللحوم التي لا تزال قائمة وبشدة لم يتطرق الحل إلا إلي الاستيراد من الخارج سواء من الهند أو البرازيل وأوروبا وأحيانا دول أفريقية ولم يمتد الحديث إلي مراجعة سياسات زراعية وانتاجية قائمة وربما لو تم هذا فإن نتائجها لن تظهر قبل عامين أو أكثر والمهم البداية. ولكن هذه البداية لم تظهر حتي الآن.. وفي السوق المحلية المصرية وليس كغيرها من أسواق العالم عشوائية في أسعار السلع واحتكارات وتخزين وحجب للسلع حتي ترتفع أسعارها أو توقعا لمزيد من الارتفاع دون تدخل. ويخطئ من يعتقد أن الحرية الاقتصادية وسياسات التحرر الاقتصادي لا تسمح بالتدخل أو ضرب الاحتكارات أو العشوائية أو حتي التلاعب في فواتير الاستيراد. وإذا كانت السلع المنتجة المحلية تشهد نوعا من العشوائية في تحديد أسعارها بالأسواق دون مراعاة للتكلفة أو هامش ربح معقول فإن السلع المستوردة التي تسيطر علي السوق المحلية تدخل دون ضوابط ودون فواتير واضحة تحدد هامش الربح. أو التكلفة وربما في أغلب الأحوال تعرض هذه السلع بثلاثة أضعاف سعرها في البلاد المستوردة منها وذلك بالمبالغة في أرقام الفواتير. وهذا بالطبع ليس له علاقة بتكلفة الشحن والنقل وما يسود السوق المصرية الآن هو العشوائية في تجارة السلع الغذائية سواء كان المستورد هو الدولة وشركاتها أحيانا.. أو الاستيراد الذي يتم من خلال شركات خاصة. وليس هناك اعتراض علي دخول القطاع الخاص ولكن كيف وبأي سعر.. وما هي الفواتير ومن يراجعها.. وما هي الأسعار السائدة في السوق الدولية والأسعار التي تباع بها هذه السلع في السوق المحلية. والانفلات الذي يحدث في أسعار السلع الغذائية المحلية والمستوردة علي حد سواء يحدث استنادا إلي الحرية الاقتصادية التي يعمل وفقا لها هؤلاء وهو تصرف خاطئ. فالحرية الاقتصادية لا تعني الفوضي أو العشوائية أو فقط رفع الأسعار.. ولكن يجب أن تكون هناك مرونة للعرض والطلب ومراجعة لأسعار السلع علي ضوء أسعارها عالميا عندما تنخفض ولا يكون الهدف هو البيع في السوق المحلية بأعلي الأسعار.. ودون أن يتطرق الأمر أو البحث إلي ما يسمي بالسلع المدعمة التي كادت تتلاشي فإن منافذ توزيع السلع في مصر أو شركات التجارة الداخلية وسلاسل المحلات التجارية الكبري تعمل وفق برنامج هدفه الربح العشوائي ولا تنظر إلي المستقبل ولا تفكر هذه المحلات والسلاسل التجارية الكبري في المستقبل وأهمية الاستمرار والاحتفاظ بالمستهلكين الذين يتراجع عددهم وتقل قدرتهم الشرائية شهرا بعد آخر. ليس فقط لانخفاض دخولهم وارتفاع أسعار السلع ولكن إلي العشوائية في تقدير هامش الربح والمبالغ فيه.. والصورة التي يشاهدها المراقب للأسواق الآن في كافة السلع تؤكد أن العشوائية والتضارب وعدم وضوح الرؤية هي التي تسيطر علي كافة العاملين في هذا القطاع .. ونظرة إلي المستقبل القريب فإن هناك تراجعا في قدرة المستهلكين الشرائية بسبب الانفلات في الأسعار والعشوائية في تحديد أسعار السلع المحلية والمستوردة. لقد أصبحنا نحتاج إلي سياسة جديدة تحافظ علي حركة التجارة الداخلية وحقوق المستهلكين. أما السياسة الزراعية والانتاجية فقد أصبح من الضروري أن تعالج جذريا بعد أن تهالكت وغابت عن الطريق الصحيح حتي أصبح كل ما يستهلك الآن مستوردا أو به مكونات مستوردة بالكامل وهو نذير خطر بعد أن حققنا في الماضي القريب نسبا من الاكتفاء الذاتي في بعض السلع الزراعية والغذائية. كلمات لها معني أحسن إلي من شئت تكن أميره واستغن عمن شئت تكن نظيره واحتج إلي من شئت تكن أسيره الإمام علي بن أبي طالب