اختفت من الحياة الريفية أنواع كثيرة من مظاهر التكافل الإنساني. والمشاركة الاجتماعية. والمشاطرة في النوازل والمضرات. فجعلت الحياة في الريف جامدة قاسية كالحة يسري عليها ما يسري علي سكني المدن والبنادر. حيث يقطن أكثر من أسرة في عمارة واحدة ولا يحرص احدهم علي معرفة جاره. أو أن يلقي عليه السلام حين يقابله في مدخل العمارة أو علي سلمها وينظر إليه بوجه عابس متجهم وكأنه من علية القوم. وقد تجد في طابق من طوابق العمارة عرسا وفي الطابق الذي يعلوه أو يدنوه مأتما وأهل العرس يزغردون ويغنون ويرقصون بينما أهل المأتم يصرخون ويبكون ولا تجد بين الفريقين تواصلا أو احتراما للمشاعر هذه الصورة من التفكك الاجتماعي وبلادة الحس الإنساني. وافتقاد الإحساس بالمشاركة الاجتماعية في المسرات والمضرات أصبحت موجودة في القري والريف.. ولم يعد يخلو منها ريف أو حضر ولا قرية أو مدينة وإذا كانت تلك الصورة من التفكك الاجتماعي مما يمكن أن يمر في المدينة لكثرة مشاغل الحياة فيها وسرعة حركة ساكنيها وزيادتهم إلي حد يعجز الكثيرون منهم عن الاقتراب من غيرهم والالتحام به أو التعرف عليه الا انها في الأرياف لا يمكن أن تمر بسهولة بل يجب الوقوف عندها لأخذ العبرة منها ودراسة جوانبها بأسلوب يمكن من الاستفادة بها في إعادة التلاحم الإنساني واحياء معاني التكافل الإسلامي الذي يربط بين الناس جميعا برباط المحبة والتواصل حتي يكونوا يدا واحدة متضافرة علي نوائب الحياة وتقلب الأيام وحتي نعيد إلي حياتهم ذلك المعني الإنساني الجميل الذي أشار إليه النبي صلي الله عليه وسلم في حديثه الشريف حين قال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي" ومن المؤكد ان أقل مظهر من مظاهر التكافل الإنساني الذي يشير إليه هذا الحديث الشريف هو ان يتراحم أهل القري فيما بينهم وان يتواصل الجار مع جاره في إطار حدود الله والمحافظة علي حقوق الجيرة فإذا أهملت تلك الحقوق وتلاشت هذه الحدود كان ذلك دليلا علي افتقاد هذا المعني الإسلامي النبيل وابتعاد الناس عنه إلي حد القطيعة التي ترميهم ببلادة الحس وافتقاد الذوق والخروج عن العادات الاجتماعية التي أضفت علي ماضي الحياة معني جميلا ساميا ويسرت الحياة علي الناس بل وحببتها إليهم حدث ذلك مع تقدم التعليم وغزو الأثير وانتشار الفضائيات المتحررة من تبعات الماضي والاغراق المادي في كافة مظاهر الحياة ان مراعاة الواقع شيء طيب ولكن الأجمل منه هو التمسك بالأخلاق الطيبة المنقولة إلينا من الماضي الجميل.