لفت نظري في نتائج الجولة الاولي لانتخابات مجلس الشعب في دورته الجديدة ان عشرات النواب نجحوا في الاحتفاظ بعضوية المجلس. رغم انهم لم يتواجدوا في دوائرهم طوال الخمس سنوات السابقة سوي مرات قليلة تعد علي أصابع اليد الواحدة. بل بعض هؤلاء النواب لم يزر دائرته الا في يوم الانتخاب. واستغرب من التفاف هؤلاء النواب علي الشعارات الانتخابية التي يرفعونها دائما. وتظل شعارات جوفاء بلا وجود علي ارض الواقع. وخاصة شعار ابن الدايرة. فكيف يكون ابنا للدائرة وهو لا يقيم بين ابناء دائرته. ويكتفي بمجرد مقر بسيط مكتوب عليه المقر الانتخابي للنائب فلان الفلاني. وهي مغلقة معظم الايام. وللبحث عن تفسير لهذا الوضع الغريب سألت أحد الاصدقاء. وهو خبير في متابعة شئون الانتخابات عن قرب. فأجابني إجابة حاسمة قاطعة ومقنعة. ولكنها زادت من دهشتي. فشرح لي قائلا: هؤلاء النواب تزوجوا الدائرة في أول دورة انتخابية لهم. ثم اقسموا عليها يمين الطلاق بعد أول يوم من حصولهم علي الحصانة البرلمانية. وتفرغوا لأعمالهم ومشاغلهم الخاصة.. فأصبحت الدائرة مطلقة ولكن يربطها بالنائب مسألة النفقة.. فيرسل لها بعض الأموال بشكل دوري أو غير دوري عبر وسطاء. يتسلمها عدد قليل من ابناء الدائرة "أولاد المرة.. باللغة العامية". ولا مانع من انجاز بعض المنافع الشخصية لنفر قليل من الوسطاء او لابناء المطلقة. ومع مرور السنين تحولت العلاقة بين النائب ودائرته المطلقة الي حالة ادمان. فالدائرة في حاجة للنفقة التي يلتزم النائب في دفعها بانتظام لضمان ولاء الدائرة و"أولاد المرة" في انتظار الانتخابات القادمة.. وهكذا يسير الزمن. وصف دقيق لعلاقة غير طبيعية بين بعض النواب ودوائرهم. يغيب خلالها العلاقة الحقيقية بين ابناء الدوائر الانتخابية وممثليهم في البرلمان. وفي ظل هذا الوضع تغيب القضايا الكبري. وفي مقدمتها الحالة الصحية المتدهورة للاهالي حيث يعاني معظمهم من أمراض الكبد والفشل الكلوي دون وجود علاج حقيقي ولا برامج وخطط للوقاية. وحيث المستشفيات الحكومية متهالكة ولا توجد بها أدوية. وتديرها مافيا تعمل لحسابها الخاص وتسعي للتكسب عبر المتاجرة بآلام المرضي الفقراء. ويزيد من تفاقم الحالة الصحية عدم وجود مياه شرب نقية أو شبكة صرف صحية. فمعظم القري تعاني من هذه المشكلة المزمنة بفعل عدم تحرك نواب الشعب للمطالبة بحقوق ابناء دوائرهم في رفع مستوي الخدمات المقدمة لهم. او بسبب تغليب مصالح سكان المدن علي حساب أبناء القري لاعتبارات انتخابية دون النظر الي المصلحة العامة للوطن. ويغفل هؤلاء ان الجميع مصريون. ويغيب ايضا في اطار هذه العلاقة الدور القومي للنائب في مراقبة أداء الحكومة وتقديم الاستجوابات. وطرح اقتراحات حول مشاريع قومية لاخراج مصر من وضعها الاقتصادي المتدهور. وتنفيذ خطط تنمية حقيقية يعود فائدتها علي الفقراء بهدف تخفيض نسبة الفقر في مصر والتي اصبحت وفقا للاحصائيات الدولية تقترب من 50 في المائة. وتغيب ايضا قضايا قومية حيوية مثل البطالة التي اصبحت تطول حوالي 20% من ابناء مصر والشباب هم الضحية حيث تشير الاحصائيات الي ان نسبة الشباب تمثل حوالي 80% من عدد العاطلين. * وقفة : قال الله تعالي في كتابه الكريم : إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا. الآية "72" سورة الأحزاب. [email protected]