لم يكن "الفجالة" شارعاً عادياً بل منطقة تتسم بالتسامح والمحبة فقد عاش اليهود فيها قبل هجرتهم بجانب المسيحيين والمسلمين. الشارع كان يطلق عليه "الطبالة" ففي زمن الخليفة الفاطمي في مصر. كان هناك صراع علي زعامة المنطقة مع الخليفة العباسي. وقامت معركة حربية انهزم فيها الخليفة العباسي وأخذ كل واحد يهنيء ويبارك بطريقته فظهرت الطبالة. كانت مطربة تغني وتدق علي الطبلة. وقدمت أجمل الأغاني احتفالاً بانتصار الخليفة. وفي يوم أنعم عليها الخليفة بقطعة أرض التي هي مكان الفجالة الان. الناس لا تعرف اسمها لكن تعرف مهنتها جيداً. أخذت الطبالة الأرض وظل اسم الحي يعرف باسمها لوقت طويل. إلي أن جاء أمير الجيوش بدر الجمالي وقام ببناء بساتين حول المنطقة لتعرف باسم بساتين الجيوشي. ومع الوقت تحولت لبرك وتلال مهملة. ومع قدوم الحملة الفرنسية لمصر أصلحوا المنطقة وجعلوها شارعاً ممهداً ممتداً من باب الحديد إلي شارع الشيخ شعيب. وفي عهد الخديو إسماعيل دخلت المنطقة عصراً جديداً وتحولت من منطقة مهملة لسكنية من أجمل مناطق القاهرة. وأصبحت تستقبل الزوار القادمين عن طريق السكة الحديد. وسميت بالفجالة لأنها كانت عبارة عن أرض زراعية تتم زراعتها بالخضر خاصة الفجل الذي كان يحبه المصريون. وقيل أيضاً إن المنطقة سميت بهذا الاسم نسبة إلي بائعة الفجل الجميلة التي كانت تسترزق من هذا الشارع. ومع مرور الوقت بدأ الحي في النمو بسبب قربه من باب الحديد "محطة مصر" بدأت الفنادق والمطاعم في البناء وانتشر "الشوام" والأجانب من أغلب الجنسيات. ومع تطور القاهرة تطورت المنطقة وسار بها الترام القادم من العتبة الخضراء قاصداً الريدانية "العباسية" وكانت المنطقة تمتليء بالقصور وبمرور الوقت أخذ الحي طابع وسمة مميزة وهي الصفة الثقافية وبدأ يعرف علي أنه شارع أو حي الثقافة لانتشار المكتبات الكبري مثل مصر وكان أحد روادها لمدة 60 عاماً الأديب نجيب محفوظ. مكتبة غريب والمؤسسة العربية الحديثة التي كانت تشتهر بإصدار سلاسل مصرية من روايات الجيب ومكان لشراء كتب كبار الكتاب والأدباء. وتغير الاسم ليكون "كامل صدقي" وهو اسم محام معروف وتولي مقعد نقيب المحامين مرتين في الفترة من منتصف الثلاثينيات حتي أوائل الأربعينيات. وهو مؤسس صندوق معاشات المحامين وأحد الساعين لإصدار قانون حصانة المحامي الذي صدر من بعده. هكذا بدأ حمدي سيد صاحب أشهر كشك جرائد بالمنطقة يروي قصة الحي حيث إنه لايزال مقصد العلماء والأدباء وهواة القراءة القادمين من الأقاليم. ولأن الشيء لزوم الشيء ظهرت تجارة الأدوات المدرسية واللعب والهدايا بجانب تجارة الكتب وأخذت المكتبات والمحلات في الانتشار. يكمل عباس طوبجي بائع مضيفاً أن دوام الحال من المحال فقد تغيرت المنطقة شيئاً فشيئاً وأصبح شارع الثقافة والقراءة في مصر مقراً لمحلات بيع السيراميك والأدوات الصحية. وكادت المكتبات المتخصصة في بيع كتب التراث والكتب الأدبية تنقرض وتعد علي أصابع اليد الواحدة. أما باقي المكتبات تحولت لبيع الأدوات المكتبية و غيَّرت نشاطها للأدوات الصحية. ويلتقط طرف الحديث الحاج محمد صلاح من كبار التجار بالمنطقة مضيفاً إلي أن اسم الشارع وقتها كان عباس الأول. وتم توقيع اتفاقية لإنشاء محطة مصر خط سكة حديد من القاهرة -الإسكندرية. وبعد تولي الملك فاروق الحكم تغير اسم الشارع لشارع الملكة نازلي والدته. ويضع في الميدان تمثال نهضة مصر ويسمي ميدان النهضة عقب ذلك. ومع قيام ثورة يوليو ينقل التمثال للجيزة ويوضع مكانه تمثال رمسيس سنة 1955 ويتحول اسم الميدان ل "ميدان رمسيس". أما أحمد أيمن أمين بائع أدوات مكتبية يقول: إن المنطقة تزدهر خلال موسمين هما موسم قصير وهو إجازة نصف العام الدراسي والموسم الكبير قبل بدء العام الدراسي أما شهر رمضان فطقوسه تقتصر علي الإفطار الجماعي وفتح كل المحلات بعد الإفطار وتعليق الزينة. ويشير هاني وديع من سكان المنطقة أن معظم العمارات والبيوت تحولت لمخازن كتب أو أدوات صحية وسيراميك ولكن تظل معظم المعالم كما هي حيث الكنائس الكبيرة والمشهورة منها كنيسة العذراء وبعض المدارس الخاصة واللغات مثل مدرسة اليوسفية للروم الكاثوليك حيث كان سكانها قديماً في الأغلبية أرمن كما يوجد بها كنيسة رابطة دير القدس وعماراتها ذات طراز معماري مميز وينعم سكنها بالراحة والهدوء يوم الأحد حيث إجازة المحلات. وتذكر نهي سمير من السكان أن ميدان رمسيس كان به أشهر ناد للبلياردو الذي تأسس علي يد إمبراطور البلياردو مصطفي دياب وكان يسافر لأوروبا للمشاركة في بطولات البلياردو العالمية. وكان من رواده كل من الفنان الراحل رشدي أباظة وعمر الشريف وأحمد رمزي وتوفيق الدقن ونور الشريف. وكذلك قهوة بعرة وهي مكان كان يجمع فنانين كثيرون كان صاحبها الحاج محمد الزناتي والفنان رشدي أباظة كان يطلق عليه مداعباً بعرة لذا أطلق عليها قهوة "بعرة".