لقد صار أمر الدولة وبناؤها في عصرنا الحاضر ضرورة من الضرورات سواء من جهة عمارة الكون. أم من جهة الحفاظ علي مصالح أبنائها أم من جهة كون ذلك مطلبًا شرعيًّا لا غني عنه وضرورة من الضرورات التي لا يمكن تجاوزها وقد قالوا : رجل فقير في دولة غنية فتية قوية خير من رجل غني في دولة ضعيفة فقيرة هزيلة . لأن الأول له دولة تحميه والآخر لا سند له لا في الداخل ولا في الخارج . فمن لا دولة له تقف وراءه وتدعمه وتحمي مصالحه لا قيمة له عاملا كان أو مستثمرًا فالدول كلها تحسب ألف حساب لأبناء ورعايا الدولة القوية وللأسف الشديد لا تكاد تقيم وزنًا لأبناء ورعايا الدول الضعيفة ولا لمصالحهم ولا لمصالح دولهم. شتان بين فقه الدولة وفقه الجماعات . فقه الجماعات فقه مغلق . فقه نفعي . فقه لا يستند إلا إلي مصلحة الجماعة حتي أن بعض من يتخذونهم مفتين لهم في الجماعات لا هم من أهل العلم ولا الفقه ولا الثقافة ولا القيم ولا حتي العقل بل هي مرجعيات تضعها أنظمة دول معادية لأمتنا العربية الإسلامية مستهدفة لكيانها ووجودها طامعة في خيراتها ومقدراتها رامية مع ذلك لتشويه صورة ديننا علي أنها صورة الدم والقتل وسفك الدماء ليمحوا عن أنفسهم ما هم عليه أصلا من عدم الإيمان بالآخرة واستهداف وجودنا وأرضنا وعرضنا ومقومات حياتنا. وتسوق سائر الجماعات المتطرفة نفسها علي أنها حامية حمي الدين . وأنها إنما تسعي لتطبيق حكم الله عز وجل وإقامة شرعه ونتساءل : أين ما تقوم به هذه الجماعات من قتل ونسف وتفجير وتدمير وسفك للدماء وانتهاك للأعراض وسبي للحرائر ونهب للأموال وترويع للآمنين من شرع الله وحكمه؟! ان ما تقوم به هذه الجماعات المتطرفة هو عين الجناية علي الإسلام ذلك أن ما أصاب الإسلام من تشويه لصورته علي أيدي هؤلاء المجرمين بسبب حماقاتهم لم يصبه عبر تاريخه علي أيدي أعدائه من التتار بما ارتكبوه من مجازر في الماضي وما يصيبه علي أيدي داعش والقاعدة والنصرة وبوكو حرام وإضرابهم في الحاضر. جهل قيادات كثيرة من الجماعات الدينية والثقافية فضلاً عن جهلهم بمفهوم الدول وبنائها وسبل إقامتها والحفاظ عليها يجعل فقه الجماعة خطرًا علي كيان الدولة ومن ثمة كان من الضروري الحديث عن ضرورة الدولة وفقه الدولة. أما الدولة الوطنية فتقوم علي احترام عقد المواطنة بين الشخص والدولة وتعني الالتزام الكامل بالحقوق والواجبات المتكافئة بين أبناء الوطن جميعا دون أي تفرقة علي أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس أو اللغة غير أن تلك الجماعات الضالة المارقة المتطرفة المتاجرة بالدين لا تؤمن بوطن ولا بدولة وطنية فأكثر تلك الجماعات إما أنها لا تؤمن بالدولة الوطنية أصلا من الأساس أو أن ولاءها التنظيمي الأيديولوجي فوق كل الولاءات الأخري وطنية وغير وطنية فالفضاء التنظيمي لدي هذه الجماعات أرحب وأوسع بكثير من الدولة الوطنية والفضاء الوطني. كثير من الناس لا يدركون مفهوم بناء الدول أو إدارة الدول أو سياسة الدول فضلا عن قيادة الدول ويظن بعضهم الأمر أمرا هينا أو يسيرًا وليس الأمر كذلك علي الإطلاق إنه يتجاوز كل دوائر الهواية بمراحل إنه سلسلة متشابكة ومعقدة من الخبرات المتراكمة إنه القدرة علي سرعة قراءة الواقع وفهم تحدياته وفك شفراته وحل طلاسمه والتعامل معه علي أسس علمية ومنطقية في ضوء الخبرات المتراكمة. الخبرة عملية تراكمية جانب منها يكون ناتجا عن علم ودراسة وجانب آخر يبني علي الدربة والممارسة والفراسة وتوقد الذهن وشدة النباهة والذكاء والتوفيق. لقد سقط الهواة والمشتاقون في أول تجربة ولم يستطيعوا أن يتجاوزوا المحطة الأولي بل كادوا يأخذوننا لطريق جد مسدود وأن يدمروا الوطن لولا أن الله قيض لمصرنا العزيزة قائدا حكيما صاحب خبرات كبيرة أخذ مع المخلصين من أبناء مصر البلاد والعباد إلي بر الأمان.