كثيراً ما انتابتني مشاعر الحيرة عند تقييمي لحقبة حكم دولتي المماليك البحرية والبرجية لمصر. استمر حكم المماليك للمحروسة نحو 275 عاماً من 1275 حتي مقدم العثمانيين عام 1517 في بادئ الأمر اختلطت علي الأمور. فتصورت مثل بعض المصريين من قارئي وعشاق التاريخ ان حكم المماليك كان احتلالا لمصر من جانب فئة من الرقيق الأبيض الذين تم جلبهم من مناطق شتي ومارسوا تسلطهم علي مصر وشعبها لكن مع القراءة المتأنية والمتكررة في تاريخ المماليك تكشفت لي جوانب عديدة مضيئة في تاريخ هذه الفئة. هناك قصتان غريبتان في تاريخ حكم مصر هما قصة كافور الاخشيدي الذي كان عبداً حبشياً وقصة المماليك وربما اتناول كيفية وصول كافور إلي الحكم في مقالة منفصلة وما يهمنا هنا هو قصة المماليك الذين تم جلبهم في الأساس لغاية واحدة ووحيدة وهي تثبيت حكم السلاطين ولأن الأيام "دول" كما جاء في الآية القرآنية الاعجازية "وتلك الأيام نداولها بين الناس" فقد دالت دولة السادة السلاطين ليحل محلهم المماليك المحاربون المكلفون بحمايتهم وحماية ملكهم. وإذا أردنا أن ننصف فترة حكم المماليك. ينبغي علينا أولاً ان ننطلق في حكمنا من تعريف المملوك علي أنه محارب ومقاتل وليس عبداً فالمملوك من أبوين حرين وتعود أصول المماليك إلي مناطق عديدة فمنهم من جاء عن طريق التجار من البلاد الواقعة شمالي البحر الأسود وبعضهم تعود أصوله إلي شبه الجزيرة القرم التي ضمتها روسيا إلي أراضيها مؤخراً أو بلاد القوقاز وآسيا الصغري أو فارس وتركستان أو منغوليا أو بلاد ما وراء النهر أو بلاد الأتراك والشركس أو الروم والصرب وبعض البلاد الأوروبية فالسلطان الظاهر بيبرس كان من نواحي قزوين والظاهر برقوق كان من فلاحي الدانوب والسلطان حسام الدين لامين كان من ضفاف بحر البلطيق. وكثيراً ما اطلقت كلمة "المماليك" علي الرقيق الأبيض لكن هناك فرقاً بين المماليك والعبيد فلفظة مماليك تعني ما يُملك بقصد تربيتهم والاستعانة بهم كجند أما العبيد فتعني العبودية. ومن المعروف تاريخيا ان دولة المماليك تأسست عقب وفاة الملك الصالح أيوب في المنصورة عندما كانت الحرب قائمة ضد الصليبيين بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا ابان المعركة جلب المماليك توران شاه ابن الملك الصالح من حصن كيفا لكي يقود الحرب ويتسلم الحكم وبعد معركة المنصورة وأسر ليوس التاسع اساء توران شاه التصرف مع المماليك فاغتالوه عند فارسكور فاستلمت شجرة الدر أرملة الملك الصالح الحكم وعندما اعترض الايوبيون في الشام والخليفة العباس المستعصم بالله في بغداد لجأ المماليك إلي حيلة تزويج شجرة الدر من عز الدين ايبك فتتنازل له عن الحكم والبحث عن رمز ايوبي يشارك ايبك الحكم اسمياً فتهدأ الخواطر. وهكذا بدأ حكم المماليك الذين أقوي دولة عاصمتها القاهرة بعد انهيار الخلافة العباسية علي ايدي التتار 1258. كانت هناك فئة من المماليك تسمي أولاد الناس وهو مصطلح يشير إلي الرؤساء أو الزعماء أو الأمراء وكانت هناك فرقة في الجيش المملوكي تسمي أولاد الناس مكونة من أبناء امراء المماليك فقط وهي نوع من الاحتياط العسكري يدعي إلي السلاح وقت الحرب. ويبدو ان الدكتورة ريم بسيوني أستاذة اللغويات بالجامعة الأمريكية قد أخذت هذ الاسم لتطلقه علي روايتها الجديدة "أولاد الناس" التي تحكي فيها فترة مهمة وزاخرة من تاريخ المماليك. أما قصة ما للمماليك وما عليهم فاتناولها في المقالة القادمة.