لا يختلف اثنان علي وجود فارق شاسع بين العلم والتعلُّم. وإن كانت الغَلَبة للعلم. إلا أن هناك فلتات في جميع المجالات. لعل أبرزها ظاهرة عباس محمود العقاد ابن محافظة أسوان الذي أصبح أحد أبرز أعمدة الفكر والأدب والثقافة في التاريخ العربي المعاصر. ولذا فإني أتعجب من موقف الإذاعة الغامض تجاه المطرب الشعبي ذائع الصيت محمد طه. وإذا كان الفنان محمد عبدالمطلب زعيم الأغنية الشعبية بلا منازع وخرج من عباءته محمد رشدي ومحمد العزبي وشفيق جلال. فإن الفنان الشعبي المتفرِّد محمد طه نسيج وحده بما قدمه من رصيد هائل في فن الموال. الأمر الذي يبعث علي الدهشة والتساؤل كيف استطاع محمد طه أن يجمع بين تأليف الموال وتلحينه وغنائه في آن واحد. فإذا به يستعرض مواهبه في الارتجال مع التورية والجناس وهما من لوازم الموال. وهو لا يحمل أية مؤهلات علمية. ولكنها الفطرة العبقرية التي أبهرت الأذن العربية بصوت جميل وأداء غير مسبوق لذلك الفنان الصعيدي جميل الطلعة خفيف الظل محمد طه بجلبابه البلدي وطربوشه التقليدي وفرقته الموسيقية غير التقليدية. فإذا به يمتلك ناصية فن الموال. ورغم أنه وضع آلاف المواويل تأليفاً وتلحيناً. إلا أن فنه اندثر أو كاد حتي تذكرته إحدي الفضائيات مؤخراً بمطلع من أحد مواويله: "مصر جميلة.. خليك فاكر مصر جميلة". * وأزعُم أن غالبية الأجيال الجديدة لا تعرف من هو صاحب الصوت شديد اللمعان المُفعم بالعذوبة والشجن الذي أطربنا بهذا المقطع القصير. علي الرغم من أن "الأستاذ" محمد طه. كما كان يحلو له أن يطلق علي نفسه. كان مُعتمَداً بالإذاعة منذ منتصف الخمسينيات قبل أن يشارك بالغناء في عشرات الأفلام المصرية. ولعله الفنان الوحيد الذي حصل علي عضوية نقابة الموسيقيين بناء علي قرار لجنة خاصة لأنه يفتقر إلي شرط المؤهل.. جدير بالذكر أن الفنان محمد طه غني في احتفالات ثورة يوليو. وحظي بثناء الدكتور طه حسين ومدح المحرر الفني الأشهر لأخبار اليوم جليل البنداري الذي كتب عنه تحت عنوان: "براندو بالطربوش والجلباب البلدي". وكم تحمس له الرائد الإذاعي جلال معوض. حتي أصبح محمد طه القاسم المشترك في حفلات أضواء المدينة. فإذا به يبهر الحضور بمواويله التلقائية المتفردة. ¼ آخر الكلام: الفنان الشعبي الأصيل محمد طه مصطفي أبو دوح [1922 1996] من مواليد طهطا بمحتافظة سوهاج. نشأ وتربي في قرية والدته بالقناطر الخيرية وفيها تعلَّم القراءة والكتابة علي يد شيخ الكُتَّاب. لكنه عاش حياته في حي شبرا الشعبي وتزوَّج وأنجب ثمانية من الأبناء. وغني في الموالد حتي اعتمد بالإذاعة. وامتلك العديد من الأراضي الزراعية والعقارات. كما امتلك شركة لطباعة الاسطوانات باسم: "ابن البلد". وفي المقابل فقد عرف عنه التواضع والعطاء لعائلته وأقاربه. وفي قريته بني مسجداً يحمل اسمه. قال محمد طه عن نفسه: إنه نبت من هذه الأرض. لكن الوطن لم يكرمه. والإذاعة لم تنصفه. بل تنكرت له. فهل يستجيب صاحب القرار للإفراج عن مواويله الإذاعية المُفعمة بالحكمة والأمثال الشعبية من ناحية. ورد اعتباره من ناحية أخري..؟! شكري القاضي