بعد أكثر من 65 عامًا علي ملحمة الإسماعيلية التي سطر فيها أبطال مصر من الشرطة تاريخا من الفخار نتذكر اليوزباشي "مصطفي رفعت" وهو يقف أمام القائد الانجليزي الذي جاء ليطالبهم بالتسليم الفوري متحديا "لن نستسلم.. نحن نؤدي رسالة والاعمار بيد الله والذي يجب ان يرحل ليس نحن". بعدها بدقائق عادت المعركة أكثر شراسة وظلت كتيبة مصطفي رفعت الباسلة حتي آخر طلقة رغم تسليحها البسيط مقابل المدافع التي ضرب البريطانيون مبني المحافظة بها وبعد نفاد الذخيرة خرج مصطفي ورفاقه مرفوعو الرأس فانحني القائد الانجليزي وجنوده لهم في ذلك اليوم استشهد 1000 شهيد و25 ألف اصابة من أبطال الشرطة وبلغت خسائر البريطانيين 20 قتيلا و30 جريحا كانت معركة للفخار وصارت عيدا للشرطة يكرم فيه أسماء هؤلاء الأبطال وذووهم سنويا فما أشبه الليلة بالبارحة.. تاريخ موصول من التضحية والفداء يقدمها الرجال البواسل وعيونهم علي الشهادة من أجل حماية تراب الوطن وأمنه أكثر من 300 ضابط وشهيد قدمتهم الشرطة من بعد 2011 ومعهم آلاف الجرحي لحماية مصر من جماعة ارهابية تتلفح بأجهزة مخابرات عالمية وكما كان النصر حليفا لمصر برحيل الاحتلال البريطاني بعد ثورة 1952 كان حليفا لها أيضا بعد ثورة 30 يونيه حين تكاتف الجيش والشرطة مع الشعب وأفسدوا مخطط الشياطين. طلقات الرصاص .. أوسمة رغم سنوات عمرها التي تعدت السبعين مازالت السيدة نائلة مصطفي رفعت زوجة بطل معركة الإسماعيلية تذكر الأحداث كأنها كانت بالأمس قالت: رغم ما أعانيه من كسور في يدي الاثنتين الا انني سعدت بدعوة الرئيس لي لا استطيع ان أصف شعوري لقد عادت بي الحياة لأكثر من سنين وتذكرت زوجي الذي عشت معه 55 عاما تعلمت خلالها كيف يكون حب الوطن. تزوجته بعد معركة الإسماعيلية بخمس سنوات وكنت أري آثار طلقات الرصاص علي صدره كان فدائيا يحب مصر.. مخلصاً في كل شئ ظل يخدم باصرار ودأب حتي أصبح مديرا لأمن السويس وخرج من الخدمة وهو مساعد لوزير الداخلية. في أحد الأيام أرسلته الدولة لبعثة تدريبية في لندن كنت خائفة عليه لكنه ذهب بكل شجاعة يومها قال لي: سأذهب لهم في عقر دارهم لأتعلم ولن يخيفني شيء فقد كنت أدافع عن بلدي. سألتها: و كيف كان يري استشهاد رجال الشرطة دفاعا عن مصر بعد ثورة يناير. قالت: كان يقول الوطن غالياً ولو أقدر أنزل معاهم هنزل.. في تلك الأيام كان يسترجع مع أولاده أحداث الإسماعيلية.. وكان حريصا علي أن يفهم أحفاده المؤامرة التي يتعرض لها الوطن وعندما توفي وهو في سن الثانية والثمانية كان حزينا من أجل مصر فلم يقدر له ان يشهد ثورة 30 يونيه وأتصور أن روحه الآن سعيدة بمصر التي تسير علي طريق التقدم وبالرئيس البطل الذي أعاد بناء الدولة والأمن والأمان. وعلاقته بمن بقي من أبطال الإسماعيلية؟ علاقة وطيدة وخاصة من اللواء بدوي والعسكري مرقص عبدالجيد كان حريصا علي لقائهم والسؤال عنهم. وكيف كان اللقاء والزواج؟! قصة حب تضيف السيدة نائلة: قصة حب طويلة فأنا سعودية تعلمت في مصر والدي أول رئيس لمجلس الشوري في المملكة بدأ الكفاح مع الملك عبدالعزيز وعمي عبدالله الإبراهيم الفضل أول سفير سعودي في مصر وعندما مرض والدي حضرنا لمصر وكان اللواء مصطفي رفعت صديقا للمثقفين والفنانين كان فارسا ويعزف الموسيقي ويكتب شعرا.. وكان صديقا لكمال الطويل ويوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس لذلك غني عبدالحليم في زفافنا وحضر الملك فيصل أيضا وكان وقتها أميرا.. ثم تضيف صور زوجي مصطفي رفعت في كل ركن في البيت في حجرة نومي فقط 7 صور له.. أحدثه كل يوم واحكيله ما يحدث في مصر وأتصور انه سعيد الآن بكل الأمن والأمان والتقدم الذي لم تره مصر منذ عشرات السنين. يلتقط طرف الحوار المستشار مدحت مصطفي رفعت قائلا: شعرت أن روح والدي بجانبي عندما وقفت لأسلم علي الرئيس السيسي.. كان فخرا ان نقف أمامه ويشد علي أيدينا ويسلم علينا. رئيس .. إنسان هو رئيس انسان نزل لوالدتي عندما لم تستطع الصعود لمرضها وكبر سنها.. أؤكد لكم انه "عسكري" بمعني الكلمة.. العسكرية في أسمي معانيها.. حزم وشدة ورأي صائب وطيبة وعطف علي الضعيف. شعرت أن مصر جميلة برجالها.. وعلينا ان نصبر ونتحمل فقد مرت 30 عاما لم نتقدم خطوة ولابد ان نتحمل دول كثيرة عانت قبلنا واليابان لم تتقدم من فراغ واذا كان هناك من يقدم الدم كل يوم من أجل الوطن فلا أقل من ان نتنازل عن اشياء بسيطة. رجال الجيش والشرطة يعطون ولا ينتظرون المقابل وأقول لشعب مصر المقابل سيأتي قريبا نحن علي الطريق الصحيح ولا ينبغي ان نعود خطوة واحدة للوراء. ويشير المستشار مدحت إلي ان قناعاته هذه تعلمها من والده فقد ربانا كما يقول علي عزة النفس والقناعة والرضا كأسمي شيء في الحياة. عاشق للعدل عشق والدي للعدل جعلني اختار المحاماة درست الحقوق وعملت مستشاراً قانونيا 37 عاما للبنوك ومنها صندوق النقد الدولي في أبوظبي وحاليا أزواول مهنة المحاماة الحرة. ألفت مصطفي رفعت.. الابنة الوحيدة لبطل معركة الاسماعيلية اختارت دراسة الآداب واللغة الانجليزية بالذات تقول تعلمت من والدي حب العلم والقراءة لا يمر يوم إلا ونضع صوره وفيديوهاته. تقول: لم أره الا أبا وانسانا بسيطا يحرص علي ان يعد لنا طعام الافطار.. كان حنونا علي أولادي غرس فيهم حب الوطن.. أذكر انه كان يقول لنا "البلد بناسه" ومصر مش حاجة قليلة والدي تاريخ موصول من التضحية في كل مكان عمل به كنا مبهورين ببطولاته وكان يحكيها وكأنها شيء مسلم به.. كان بسيطا في كل شيء يلبي نداء الواجب ويعطف علي الضعيف.. كان يقول اننا نعيش المعركة الأصعب فالعدو جبان وغير معروف في الاسماعيلية حاربنا عدوا ظاهرا رغم قلة العتاد واستسلمنا بعد آخر رصاصة نملكها فانحني لنا العدو. أول أمس فقط شعرت أن روح ابي سعيدة بعد ان اجتازت مصر أصعب محنة في تاريخها.. وحين وقفت لأسلم علي الرئيس السيسي كنت ممتنة لوالدي الذي أوصلنا لهذا الشرف.