من الأقوال الشهيرة التي يتداولها الناس: "إن التاريخ يكتبه المنتصرون".. وهي عبارة تعني أن الفريق الذي ينتصر في معركة أو في صراع سياسي هو الذي يكتب التاريخ من وجهة نظره. ويصنع من نفسه بطلاً وهو كذلك في الحقيقة. ولكنه ليس البطل الوحيد لأن هناك دائمًا الجنود المجهولين الذين قدموا المزيد من التضحيات ولا يعرفهم أحد. ويبدو أن السينما أيضًا يكتبها المنتصرون. لأنه في عامين متتاليين شاهدنا فيلم "الساعات العصيبة" عن ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني في الحرب العالمية الثانية. وهذا العام فيلم "موت ستالين" عن الأيام الأخيرة في حياة الديكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين. والاثنان انتصرا في الحرب العالمية علي هتلر وأعوانه. ولكن بعد الحرب عاد الصراع الخفي بينهما فيما عرف بالحرب الباردة. وها هو المخرج الاسكتلندي أرماندو يانوشي يقدم بأسلوبه الكوميدي فيلم "موت ستالين" يسخر فيه من نظام الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق وقت رحيل ستالين عام 1953. ولأن الغرب انتصر في الحرب الباردة علي المعسكر الشيوعي. فإن السينما تكتب تاريخ المنتصر وتسخر من المهزوم بعد أن سقط وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 بعد 38 عاماً من موت ستالين. في الحقيقة ان الكوميديا أنقذت الفيلم. لأن معلومة فشل النظام السوفيتي أصبحت معروفة وقديمة. وان هذا الفشل السياسي أدي إلي الانهيار والخروج من الصراع الدولي بهدف السيطرة علي العالم بين المعسكر الرأسمالي والشيوعي. لذلك الكوميديا أصبحت مقبولة لأنها لا تهدف إلي اعطاء المشاهد معلومة جديدة عن النظام السوفيتي. ولكن الهدف كان السخرية من نظام أدعي الكمال وحاول أن يخضع العالم إلي نفوذه ولكنه فشل. بدأ الفيلم بحفل لأوركسترا إذاعة موسكو تقدم فيه عازفة البيانو الشهيرة ماريا يودينا مقطوعة لموتسارت. استمع لها ستالين بالصدفة. من الراديو قبل أن ينام وأعجبته. فاتصل بمدير الإذاعة وطلب إرسال نسخة من تسجيل الحفل إلي مقر الرئاسة. ولكن المدير لم يسجل الحفل واضطر إلي إعادته مرة أخري لتسجيله واجبار الجمهور بالقوة ومنعه من الخروج. قالت بدور عازفة البيانو الممثلة الروسية الشهيرة أولجا كورلينكو رفضت إعادة الحفل إلا بمقابل مادي كبير. وفي اليوم التالي يصاب ستالين بنزيف في المخ ويسقط ميتاً علي الأرض في حجرته. ولم يختلق الفيلم أحداثاً ملفقة لصناعة المواقف الكوميدية. لأن الفيلم مأخوذ عن كتاب "موت ستالين" لفابيان نوري وتيري روبين. وهو كتاب ساخر أيضاً وكل المواقف التي صورها حدثت في الواقع. ولكن الكوميديا احتاجت بعض المبالغة لانتزاع الضحك. كل الشخصيات التي أحاطت بستالين قبل وبعد فاته هي شخصيات حقيقية وكل منهم توجد في شخصيته نقطة ضعف خطيرة هي التي تصنع الكوميديا. لأن وزير الداخلية وقائد الشرطة السرية "بيريا" كان سفاحًا يلقي بالمعارضين في سيبيريا حتي الموت بدون محاكمات. وقتل صديق ابنة ستالين "سيفنتاتا" وكان فاسيلي ابن ستالين مريضًا نفسيًا أقرب للجنون. ونائب ستالين "مالينكوف" كان ضعيف الشخصية لا يصلح أن يكون قائداً بعد ستالين. وكان خروشوف داهية وهو الذي استطاع الانفراد بالحكم وأعدم بيريا وتخلص من كل منافسيه وكل ذلك قدمه السيناريو في اطار كوميدي متقن انتزع اعجاب الجمهور. حصل الفيلم علي 16 جائزة منهم جائزتان من "البافتا" الاسكتلندية أحسن مخرج وأحسن سيناريو. بالاضافة إلي مجموعة من جوائز السينما البريطانية المستقلة البريطانية: أحسن ممثل مساعد لسيمون رسل بيل الذي قام بدور "بيريا" وهو ممثل كبير في المسرح البريطاني. وقد تألق هو والممثل ستيف بوسيمي الذي قام بدور خروشوف. وهو أيضا من نجوم المسرح البريطاني. وكما ذكرت كل الشخصيات والمرافق في الفيلم حقيقية. وقد حدث بالفعل صراعاً لخلافة ستالين استمر حتي 1956 عندما انفرد خروشوف بالحكم. الفيلم انتاج بريطاني فرنسي بلجيكي كندي ينتمي للسينما والمستقلة بعيدا عن شركات الانتاج العملاقة. ويبدو انها لم تتحمس لانتاج الفيلم لأن "الضرب في الميت حرام" وصفحة الاتحاد السوفيتي قد انطوت وأصبح في ذمة التاريخ. ولكن الكوميديا لا تسخر فقط من شيوعية السوفييت ولكنها تستمر أيضا من كل ديكتاتورية توجد في العديد من الدول المتخلفة في الشمال والجنوب.