صباح الأحد التقي السيد الرئيس باعضاء مجلس الهيئات القضائية. وتحدث اليهم واستمع منهم. في حديثه أكد أن استقلال القضاء سيظل ركنا أساسياً من بنيان المجتمع وحصنا للعدالة والدستور. ويأتي هذا اللقاء في اطار حرص الرئيس السيسي علي ترسيخ دولة القانون اتفاقا مع أحكام الدستور. التي أرست مبدأ الفصل بين السلطات وفقا لتصريح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية. جاء اللقاء في لحظة مهمة. حيث تمتليء المنطقة باهتزازات سياسية كبيرة في عدد من دولها. نتمني أن تخرج منها وتتجاوزها سالمة. وفي الداخل تكثر الشائعات وينتشر اللغط حول أمور كثيرة. فضلا عن تحريض الاعلام المعادي. وهذا اللقاء يقول بأعلي صوت أن القيادة السياسية. ممثلة في السيد رئيس الجمهورية لديه اصرار تام علي مواصلة بناء دولة القانون. وأن استقلال القضاء حقيقة قائمة لا تقبل أي التفاف عليها والفصل بين السلطات أمر واقع. يحرص عليه رئيس الجمهورية شخصياً. دولة القانون تعني أنه لا وجود ولا مكان للطائفية والطوائف. ولا وجود كذلك للعشائرية والقبلية. دولة القانون اتفاقا مع أحكام الدستور كما أكد الرئيس تعني دولة المواطنة.. دولة مدنية حديثة. تقر الحريات العامة وتحترمها. وتصون الحريات الخاصة. ليس هذا فقط. بل تضمن لنا أنه لا تمييز بين مواطن وآخر بسبب الدين أو الجنس أو الثروة والوضع الاجتماعي. في القضاء يقف الطرفان معاً أمام القانون. بغض النظر عن حيثية كل منهما لا يفصل بينهما سوي الالتزام بنصوص القانون. وفي القضاء الاداري يقف الخفير أمام الوزير. وكثيراً ما تنتصر الأحكام للخفير. ليس كراهية للوزير ولكن احتراما لنصوص القوانين واعمالا لروح الدستور. ويكون علي الوزير أن ينفذ بنفسه الحكم الذي صدر للخفير. تلك روعة وجمال دولة القانون.. الدولة المدنية التي نعيش بين جنباتها. صحيح أن الكثير من نصوص الدستور لم تتحول بعد الي قوانين. وهذا شأن البرلمان وليس شأن القضاء. ولكن نحن نسير ونصر علي استكمال أركان الدولة المدنية. لقد طلب الرئيس ازالة أي معوقات تحول دون تحقيق -العدالة الناجزة-. أي الوصول الي حل لمشكلة -بطء التقاضي- أو ما يسميه الرأي العام -العدالة البطيئة-. والمعني هنا أن الرئيس لديه اهتمام خاص باستكمال أركان دولة القانون. بما فيها سرعة التقاضي. حتي يشعر كل مواطن أن حقه سوف يصل اليه سريعآً ودون ابطاء. وقد تعرض القضاء المصري منذ فترة لهجوم بعض المنظمات التي تسمي نفسها دولية. وانتقدوا بعض احكامه المتعلقة بالارهابيين. لكن مع الوقت ومع نزاهة وعدالة المحاكمات. ودرجات التقاضيپ التي تسمح بالاستئناف ثم النقض. جعل هذه الانتقادات تتراجع. ويوقن الجميع أن لدينا قضاء عادلا ونزيها. وقبل كل هذا مستقلا. وبه كل الضمانات ليدافع المتهم عن نفسه. وفي العام الماضي حاول بعض من يسمون -نشطاء- إحداث وقيعة بين الدولة ورجال القضاء. وخاب مسعاهم. فالدولة تحتكم الي دستور وسيادة القانون. والقضاء يقوم علي حكم القانون والعمل بالدستور. والحق أن الدولة عموما تقوم بأركان أساسية. أولها الأرض ثم الشعب ويلي ذلك المؤسسات وفي المقدمة منها الجيش ليحمي حدود وسيادة البلاد. مجرد وجوده يردع من يفكر في الاعتداء علينا أو انتهاك سيادتنا. ثم مؤسسة الأمن التي تحمي المواطنين في الداخل وتقوم علي انفاذ القانون. والي جوارهما مؤسسة العدل والقانون. ممثلة في الجهات القضائية ومن حسن الحظ أن لدينا هذه المؤسسات جميعها وتعمل بكفاءة واخلاص حقيقيين. وتحملت هذه المؤسسات في السنوات الأخيرة ظروفا صعبة وقام أفرادها بجهود مضاعفة. نتابع ما يقوم به الجيش في سيناء وعلي حدودنا الغربية والجنوبية. وما يقوم به جهاز الشرطة من عمليات استباقية وتتبع للتنظيمات الارهابية. ورجال القضاء بدأبهم الشديد والتزامهم احكام الدستور والقانون. بغض النظر عن بيانات المنظمات المسيسة لصالح الجماعة الارهابية وتقاريرها غير الأمينة. والحق أن القضاء المصري الحديث. منذ أن تأسس في عهد الخديو اسماعيل. أي منذ قرابة قرن ونصف. بات يمتلك تراثا من الخبرة والتقاليد القضائية. التي باتت ترقي الي مستوي النصوص القانونية. ومرت مصر بظروف عديدة. صعبة ومعقدة. نجح خلالها القضاء المصري في النصف الأول من القرن العشرين أن يتخلص من أي سيطرة أجنبية. كانت هناك المحاكم المختلطة التي تمنح بعض الأجانب المقيمين في مصر امتيازات قانونية لم يكن يتمتع بها المواطن المصري. وبنضال سياسي وقانوني وقضائي تخلصنا من ذلك كله. وبات قضاؤنا وطنيا خالصاً. لا يريد القائمون عليه سوي تحقيق العدالة عبر الالتزام بالقوانين واحترام الدستور. وفي ذلك اعلاء لسيادة الدولة. وحين أشار الرئيس في اللقاء الي التقاليد الراسخة التي اكتسبها القضاء المصري الشامخ عبر العصور. فانه لم يكن يتحدث من فراغ. لكن لأن لدي القضاء المصري تراث زاخر من التقاليد الرصينة التي اكسبته احتراما ومصداقية عالية ليس علي مستوي مصر وبلاد المنطقة فقط. بل وعلي مستوي العالم كله. والحق أن قضاة مصر تعرضوا بعد فبراير 2011 لحملات ظالمة وبذيئة من أصحاب -المراهقة الثورية- وتحملوا ترهيب الجماعات الارهابية. بعد أن حكم الاخوان مصر. وصل الأمر الي حد حصار المحكمة الدستورية العليا لترهيب قضاتها الأجلاء وكان رئيسها يدخل مكتبه في سيارة مدرعة تأميناً له. وتبين أن جماعة الاخوان وضع بعض مجرميها أجهزة تصنت في غرف المداولة لبعض الدوائر القضائية. والهدف أن يطلعوا علي المداولات ويحاولوا التدخل تصوراً أن بامكانهم التأثير علي الأحكام في بعض القضايا. وكانت الطامة الكبري حين وقف د. محمد مرسي قبل 30 يونيه يهاجم قضاة بالاسم ويتهمهم في ذمتهم وعملهم.. تحمل القضاة الأجلاء كل ذلك. وقدموا شهداء في هذه المعركة. المستشار الجليل هشام بركات الذي دفع حياته ثمنا لتمسكه بالعدل واصراره علي اعمال القانون. وكذلك عدد من رجال القضاء والنيابة العامة في العريش. تعرضوا لعدوان غادر من الجماعة الارهابية» كل هذا وما هانوا وما فرطوا. رجال القضاء هم حراس العدالة ومدنية الدولة.. وكانوا دائما هدفا لمن يرفضون الدولة الوطنية ومدنيتها. نتذكر المستشار الجليل أحمد الخازندار الذي دفع حياته سنة 1948 ثمنا لاصراره علي احترام القانون. فكان أن أمر حسن البنا ملشياته باغتياله. لقاء السيد الرئيس باعضاء مجلس الهيئات القضائية. هو الأول منذ عشر سنوات. أي عقد كامل. ويكشف عن اصرار الرئيس والدولة المصرية كلها علي احترام الدستور والالتزام به واعمال دولة القانون وتحقيق العدالة الناجزة. وعلي كل الذين يحاولون احداث لغط ويتصورون أن الدولة المدنية لن تتحقق أن يكفوا. هي موجودة بالفعل. ومؤسساتها قوية وشامخة.