يضع الأب صورة ابنته الصبية وهي بكامل زينتهاعلي صفحة الفيس بوك . ويشرحها بتعليق "حبيبة بابا" احتفالا بيوم ميلادها. وينشر الزوج صورته وبجواره زوجته بكامل زينتها مصحوبة بتعليق "رفيقة العمر" احتفالا بذكري الزواج . يخرج مجموعة الاصدقاء في نزهة قصيرة فينشرون علي الفيس صورا تسجل كل لحظة . ومعها شروحات بأسماء "أعز أصحاب" وتفاصيل للمكان . تبدو هذه التصرفات التي تتكرر آلاف المرات يوميا في نظر فاعليها عادية. ولكنهم لا يعلمون أنهم يقدمون معلومات مجانية يستفيد منها الأعداء. وهذا ما أكده جوليان أسانج - مؤسس موقع ويكيليكس - في حوار له مع قناة روسيا اليوم بقوله : "إن موقع فيس بوك يعتبر أكثر أدوات التجسس التي ابتكرها الإنسان رعباً في تاريخ البشرية. وعلي جميع البشر حول العالم أن يدركوا أن الاشتراك في فيس بوك يعني تقديم معلومات مجانية لوكالات الأمن الأمريكية لكي تقوم بإضافتها إلي قواعد بياناتهم التي يضعونها لجميع البشر علي وجه الأرض¢. والخطورة لا تقتصر علي جمع المعلومات . بل إن الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي الاخري تحولت إلي ساحة حرب حقيقية . وهذا ما أكده كتاب "شبه الحرب: تسليح مواقع التواصل الاجتماعي" الذي صدر بأمريكا في أكتوبر الماضي وجاء فيه : "يُعد ظهور الإنترنت تطورا مفاجئا وخطيرا في الحرب والسياسة الدولية. فقد غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي في ديناميات الصراع. حيث باتت مكانًا لشن حرب جديدة تستهدف عقول وقلوب الشعوب¢. وخلص المؤلفان بيتر وارن سينجر الخبير الإستراتيجي في مركز نيو أمريكا. وإميرسون بروكينج الباحث في مجلس العلاقات الخارجية . إلي أنه : "لم تعد مهاجمة مركز ثقل العدو "عقول وأرواح شعبه" تتطلب عمليات قصف ضخمة. لكن كل ما يتطلبه الأمر هو هاتف ذكي. واستهداف المستخدمين. وتحقيق هدف الحرب دون إطلاق رصاصة واحدة". وشرح الكتاب بدقة كيف يمكن للحكومات والمنظمات استخدام "قوة التضليل" للتلاعب النفسي والسياسي والعسكري والاقتصادي عبر "توظيف وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير علي أفكار المستخدمين وتوجهاتهم. واختياراتهم. وليس هذا فحسب. بل يمكن استخدامها لتجنيد أفراد ومجموعات للقيام بهجمات إرهابية. أو نشر الكراهية والاستياء بين الشعوب المتنافسة. مما قد يؤدي إلي نشوب حرب أو إبادة جماعية. علاوة علي إحداث شقاق وانقسام في الأصوات داخل البلد الواحد¢. وأشار الكتاب إلي نماذج عملية لتلك الحروب بتدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية عام 2016 وتأثيرها علي توجه الناخبين لصالح ترامب. ونجاح تنظيم داعش الارهابي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لعملياته الارهابية وإثارة ذعر معارضيه وفي تجنيده للعملاء . وبالنظر إلي واقعنا نجد أن مجتمعنا وكل المجتمعات العربية والاسلامية تتعرض لحرب معلوماتية شرسة مستمرة وتشارك فيها دول وأجهزة استخبارات ومراكز أبحاث . وتستهدف تشويه قيمنا الأصيلة ورموزنا القدوة . وصولا الي طمس هويتنا. ومواجهة هذه الحرب ضرورة مصيرية والجانب الأكبر يقع علي الحكومات بتكثيف برامج تثقيف وتوعية المواطنين لتحصينهم ضد الإختراق. ومراقبة حملات التضليل الأجنبية وإحباطها. وعلي المواطنين عدم الانسياق وراء كل ما ينشر عبر الفيس بوك وغيره وتصديقها دون تدقيق. وعليهم ايضا التحفظ فيما ينشرونه وعدم الترويج لأي بوست دون التحري من مصداقيته ومصدره .