أحسنت مؤسسة مستشفي الأورام الجديد "500 500" عندما دشنت حملة توضيح وتطمين للمصريين بأن أموال تبرعاتهم يتم توظيفها التوظيف الأمثل وأن تبرعاتهم توضع في مكانها الصحيح والعمل في المستشفي الكبير يسير علي قدم وساق وفق ما خطط له.. وذلك لدحض الأكاذيب التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا والتي ادعت أن المستشفي شكل من أشكال "الفنكوش" وأن الأرض المخصصة له منذ سنوات لا تزال صحراء قاحلة!! العطاء الخيري للمصريين- رغم المعاناة الاقتصادية لمعظمهم- ضخم ومتواصل وهو بالتأكيد مستهدف من قوي الشر التي تخطط لمضاعفة معاناة فقراء مصر وأصحاب الحاجات بها لخلق مشكلات مضاعفة للحكومة.. لذلك فإن الرد علي الشائعات والأكاذيب وتوضيح الحقائق فيما يتعلق بأموال التبرعات وحجم ما يجمع وينفق ووجوه إنفاقه أمر مهم للغاية حتي لا تتأثر عاطفة المصريين الخيرية والتي ظهرت بوضوح خلال السنوات الأخيرة حيث أكد أحد التقارير أن حصيلة ما يقدمه المصريون للجمعيات الخيرية والمستشفيات التي تجمع تبرعات تزيد علي أربعة مليارات جنيه سنويا معظمها من محدودي الدخل والكادحين الذين يدبرون احتياجاتهم المعيشية بصعوبة مما يؤكد أن نوازع الخير متأصلة في نفوس أبناء هذا الشعب المعطاء. منذ أسابيع استوقفتني سيدة عجوز تعرفني جيدا بحكم الجيرة ووضعت يدها في حافظة نقودها الصغيرة وأخرجت 100 جنيه وطلبت مني توصيلها لأحد المستشفيات التي تجمع تبرعات. سألتها: لماذا هذا المستشفي تحديدا يا حاجة؟ قالت: شكل الأطفال الذين يعالجون به يقطع القلب.. أطفال صغار يصابون بهذا المرض اللعين.. ربنا معاهم ويجب أن نساعدهم بكل ما نستطيع. هذه السيدة أعرف أحوالها المادية جيدا. فقد اقتطعت من معاشها البسيط هذا المبلغ الذي تحتاج إليه لكي تسهم به في علاج طفل بريء يعاني من مرض لعين ورغم بساطة المبلغ الذي تبرعت به إلا أن تصرفها بالتأكيد يجسد مشاعر الشعب المصري المعطاء الذي يتسابق فقراؤه قبل أغنيائه في توفير أمل الشفاء لأسر تعاني مرارة مرض صغارها بالسرطان ولا تستطيع بإمكاناتها المادية المتواضعة توفير فرص العلاج لهم في المراكز والمستشفيات الخاصة. تبرع هذه السيدة وأمثالها من الكادحين المصريين يمثل النسبة الأكبر لموارد كثير من المستشفيات التي توجه خدماتها للفقراء ومحدودي الدخل وهو ما يفرض علي القائمين علي المستشفيات والجمعيات الخيرية التي تتلقي تبرعات أن تتعامل بشفافية كبيرة مع هذه الأموال وأن تعلن بكل وضوح مجالات انفاقها وأن تخضع لرقابة محاسبية دقيقة لأن ثقة المواطنين لو اهتزت في هذه الكيانات والقائمين عليها فلن تجد من يتبرع لها ويساعدها علي استمرار مسيرتها الخيرية. منذ سنوات سألت أحد وزراء الأوقاف الذين تركوا بصمات إدارية جيدة في إدارة شئون الوقف عن سبب عزوف أهل الخير والعطاء من المصريين عن وقف أموالهم وممتلكاتهم كما كان يفعل القادرون في الماضي فكانت إجابة الرجل واضحة وقاطعة وهي"ضعف الثقة في إدارة أموال الوقف وتوهم البعض أنه أصبح تحت سيطرة الحكومة ويتم الانفاق منه وفق توجيهاتها وليس وفقا لشروط الواقفين"!! ورغم أن هذا الاعتقاد غير صحيح إلا أن شيوع هذه القناعة لدي كثير من القادرين دفعهم الي الاحجام عن تغذية الوقف بموارد جديدة وشهدت العقود الماضية تجفيف منابع هذا المورد المهم من موارد العطاء الخيري والإنساني. لذلك ينصح كل علماء الشريعة الإسلامية وأساتذة الاقتصاد الإسلامي ومعهم كثير من المعنيين بالعمل الخيري بإنشاء مؤسسات خيرية وزكوية مستقلة عن مؤسسات الدولة مع توفير كل مقومات الثقة فيها من إدارة جيدة وهيئة محاسبة وتدقيق مالي تكشف كل الحقائق للجماهير لأن الثقة في هذه المؤسسات هي أهم مقومات نجاحها واستمرارها وإعانتها علي القيام بالمهام التي أنشئت من أجلها. لذلك أتوجه بالتحية لشيخ الأزهر د.أحمد الطيب الذي وفر لصندوق الزكاة والصدقات كل عوامل الثقة حيث حشد لإدارته نخبة كبيرة من الشخصيات المصرية محل التقدير والاحترام ولها رصيد كبير من الثقة ووفر لهذا الصندوق الخيري هيئة محاسبية وقانونية تقوم بواجب الرقابة والمحاسبة لكل الموارد والنفقات بكل دقة مما أقام جداراً قويا للثقة بين أهل الخير والقائمين علي صندوق الزكاة والصدقات الأزهري. لذلك أتمني من إدارات المستشفيات والجمعيات الخيرية التي تجمع تبرعات أن تتعلم من الأزهر الشريف كيف تدير هذا العمل الخيري الحساس وكيف توفر عوامل الثقة الكافية للمتبرعين؟ العطاء الخيري للمصريين يتدفق ويتضاعف بسبب التوجهات الدينية الصادقة وعشق معظم هذا الشعب لكل ما يقربهم الي الله من صور التكافل الإنساني والاجتماعي.. ولا شك أن مد المزيد من جسور الثقة مع الجماهير والحرص علي أقصي درجات الشفافية في التعامل مع أموال التبرعات يضاعف من هذا العطاء.. أما إحاطة هذه التبرعات بالسرية التامة فهو يعطي الفرصة للمتربصين لإحاطتها بالشكوك ويوفر بيئة خصبة للشائعات. عطاء المصريين الخيري والإنساني للمستشفيات والجمعيات الخيرية ومؤسسات وجمعيات جمع الزكوات والصدقات عطاء ضخم يجسد المشاعر الإنسانية والتوجهات الدينية الصادقة لهذا الشعب ويجب استثمار هذ العطاء ومضاعفته وأول عوامل ذلك مد جسور الثقة مع الجماهير.. لذلك يجب استبعاد كل من تحيط بهم الشبهات من هذه الجمعيات والصناديق الخيرية واختيار العناصر التي تحظي بالثقة والنزاهة للإشراف علي جمع وإنفاق التبرعات لكل مجالات العمل الخيري في مصر.