العمل الخيري.. دقيق.. خطير.. لأنه يتعلق بحق الله سبحانه وتعالي. وحقوق العباد. العمل الخيري تحكمه ضوابط. وقوانين تحكم القائم عليه. فلا أي شخص أو مجموعة تقوم علي العمل الخيري. ولا أي عمل يصلح أن يكون خيراً. الإسلام حدد العمل الخيري. ووضع له كل القواعد والأطر.. وربطه بالتقرب إلي الله. أقام الإسلام دعائم الأعمال الخيرية. وجعل منها الدعائم القوية لإقامة الدولة. وأخذ العمل الخيري عدة صور علي مدار التاريخ الإسلامي. فقد بدأ علي شقين.. أولهما: جمع الأموال لتضاف إلي بيت المال الذي يشرف عليه خليفة المسلمين والإنفاق منه علي الفقراء والمساكين. وتجهيز الجيوش وإقامة المشاريع التي تحتاجها الدولة. وبيت مال المسلمين كان يقبل أموال الصدقات والزكوات. وتطور الأمر إلي نظام الوقف -كنوع من أنواع الخير- حيث يقوم الأثرياء بوقف جزء من أموالهم وأملاكهم في سبيل الله. وللإنفاق علي نوع معين من أعمال الخير مثل حفظة القرآن الكريم. أو طلاب العلم. أو الإنفاق علي المدارس والمساجد وغيرها. ومع زيادة العمل الوقفي اتجهت الدولة لتقنين الإشراف علي الوقف فأنشأت الدولة الإسلامية دواوين تشرف علي الوقف وتقننه. وتم تعيين نظار عليه. عرفوا في بداية عهدهم بالأمانة. وحسن الذمة ومع نشر الفساد في أرجاء الدولة الإسلامية خاصة في عهد الدولة العثمانية تولي أمر الأوقاف بعض النظار الفسدة. ويذكر المؤرخون أن عقارات الوقف في مصر وصلت إلي ثلث أراضي القطر المصري. ومع قدوم ثورة 23 يوليو 1952. قامت الثورة بسن قانون تطوير الأزهر وإنشاء أجهزة جديدة للقيام بعمل التعليم الإسلامي والإنفاق عليه. فقد تم إلغاء نظام الوقف. وأعادت الدولة كل الأعمال الخيرية إليها. ونظراً للخيرية التي يتمتع بها المسلم. فقد اتجه الأفراد إلي إنشاء الجمعيات الخيرية التي تقوم بجمع الصدقات لإنفاقها بمشاريع وأعمال تهم فقراء الأمة. مثل رعاية الفقراء. والأيتام والأرامل. وإنشاء المستشفيات الخيرية. وغيرها.. وأخذت هذه الجمعيات في الانتشار مع تشجيع من الدولة نفسها. حتي وصلت إلي أوج انتشارها في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. فقد حملت الجمعيات الخيرية العبء الأكبر عن الدولة سواء في إنشاء المعاهد الأزهرية والمدارس. والمستوصفات والانفاق علي الأسر الفقيرة. ومع انتشار هذه الأعمال واتساعها فقد اندس فيها بعض الفسدة أو قليلو الذمة. وتطور الأمر في السنوات الأخيرة أن اتجهت بعض هذه الجمعيات إلي العمل السياسي وهو ما خلق نوعاً من الصدام معه رؤية الدولة ومؤسساتها. ضوابط شرعية عن الضوابط الشرعية للعمل الخيري أوضح عبدالله الصبان -أستاذ الحديث بجامعة الأزهر- أن أهم الضوابط التي وضعها الإسلام للعمل الخيري في القائم علي العمل نفسه وهو بالفعل العامل الأهم في العملية الخيرية. فقد اشترط الإسلام فيه أن يكون عدلاً في ذاته. متصفاً بهذه الصفة وسط المجتمع. وصفة العدل ليست بالضرورة متوفرة في شخص غني أو صاحب وجاهة. فقد تتوفر في شخص عادي في المجتمع. ولا يملك نوعاً من الثراء. وإذا كان العمل الخيري هو جمع أموال أي أمانة لتحويلها لمستحقيها. فلابد أن يتصف القائم عليها بالأمانة.. "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها" بالإضافة إلي بعض المؤهلات الشخصية وهي الانضباط في العمل. وقوة العطاء. فعدم الانضباط في العمل الخيري. والتراخي في العطاء يؤدي إلي انهيار باب من أبواب الرحمن وهو باب الصدقات ويحرم مستحقيه من الخير. يضيف د. عبدالله الصبان: حتي لا تمتد أيد العاملين علي العمل الخيري وكي تصبح أعينهم مليانة فقد أجاز الإسلام لهم أخذ أجر علي هذا العمل. كما جاء في مصارف الزكاة: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله".. فقد أجاز لهؤلاء أخذ جزء من أموال الصدقات من مصرف "والعاملين عليها" وإن كان التطوع لعمل الخيرات أفضل بكثير لأي إنسان وثوابه عظيم عند الله سبحانه وتعالي.. فقد جاء رجل إلي الرسول صلي الله عليه وسلم فقال: اعطني من الصدقة. فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم: "إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتي حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء. فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك". وهذه أمانة ودقة وحرفية القائم علي العمل الخيري. والعمل الخيري لم يكن في الإسلام مالاً سائباً يجمع وينفق حسب هوي القائم عليه بل حدد الإسلام الأطر التي تسير عليها وأهم ذلك هو ضرورة إشراف الدولة عليه وسن له القوانين المناسبة لمحاسبة المسئولين عليه بحيث تحاسب الجمعيات الخيرية علي الأموال التي جمعتها. وكذلك علي المنافذ التي تم الانفاق عليها. والمحاسبة علي الجمع والانفاق حتي تضمن الدولة عدم التلاعب بأموال الصدقات وعدم إيصالها لأصحابها. وهنا يجب علي الدولة مراقبة جميع الجمعيات الخيرية مراقبة دقيقة ومحاسبة أي مقصر في أداء العمل بها. البعد عن المفاسد يضيف الشيخ عادل أبوالعباس عضو لجنة الفتوي بالأزهر: اهتم الإسلام بالعمل الخيري وجعله ركيزة من ركائز دعم الإنسان وإزاحة الفقر وعوامله التي تؤدي إلي البطالة وإيقاع الشباب في المفاسد بسبب الفراغ الذي يؤدي لقتلهم معنوياً وإفلاسهم في حب وطنهم. وجعل الإسلام كثيراً من الموارد التي تدعم العمل الخيري. فجعل منها الوقف والزكاة والكفارات بأنواعها المختلفة. والصدقات. والانفاق مما كسب الإنسان لقوله تعالي: "انفقوا من طيبات ما كسبتم". وحث الإسلام الأغنياء علي زيادة تدعيم العمل الخيري سواء بالجانب النقدي أو العقاري كالأرض الزراعية والعمارات التي تجعل سكناً للطلاب والوافدين والمستشفيات الطبية التي تدعم الفقراء الذين لا يستطيعون حيلة في علاج أمراضهم. قال: وضع الإسلام ضوابط لهذا العمل الخيري فجعل من أول تلك الضوابط التوسط في الانفاق لقوله تعالي: "ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" ولقوله تعالي: "ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك ولا تبسطها كل البسط". أوضح انه من هذه الضوابط اختيار القاعد علي العمل الخيري علي أن يكون من الأمناء الصالحين الذين يسهمون في زيادة انتاج العمل الخيري عن طريق المشروعات طويلة الأجل. وذلك لقوله تعالي علي لسان سيدنا يوسف عليه السلام: "اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظ عليم" فوصف نفسه بحفيظ علي الأمانة. والعمل في وضعها الموضع الصحيح. يضيف الشيخ أبوالعباس: تعد المراقبة من أهم ضوابط العمل الخيري. بمعني أن تقوم مؤسسة ما من مؤسسات الدولة وليكن الجهاز المركزي للمحاسبات بمراقبة الوارد والمنصرف حتي نضمن وصول العمل الخيري لمستحقيه. حسن سير وسلوك يضيف الشيخ عبدالعزيز النجار مدير عام شئون مناطق وعظ الأزهر عاملا جديدا في ضوابط العمل الخيري يتعلق القائم علي العمل حيث يتطلب تقرير حسن سير وسلوك من أجهزة الدولة الحساسة حتي مدي تمتع هذا الشخص بالأمانة. بالإضافة إلي عدم ربط العمل الخيري بأي أمر من أمور السياسة. فلا يتبع جهة سياسية ما. ولا يوظف العمل لتأييد سياسي معين. ولا يدعم طائفة دون الأخري. أو مواطن دون الآخر. فطالما الأموال صدقات فلأبناء المجتمع كلهم أن ينعموا بهذه الصدقات. قال الشيخ النجار: بالنسبة للعمل ذاته. لابد أن يكون من الأموال الحلال. لا من غسيل الأموال مثلا. ويكون لديه أولويات في الإنفاق- فلا يقوم ببناء في منطقة كلها مساجد. وهي في نفس الوقت محرومة من المستشفيات. أو محرومة من معهد أزهري أو مدرسة وغير ذلك من هذه الأمور الحيوية للدين والدنيا.