بادئ ذي بدء اقترح علي القارئ الكريم أن يصبر قليلاً علي ما سأطرحه عليه وألا يتعجل في حكمه أو فيما سيقرر ماهية الفائدة من قراءة هذا المقال. الإنسان ومصر. البشر ومصر. الناس ومصر. طبعا عبارة غير محددة الغاية. ولكن إذا بدأنا بقول إن كل إنسان بشر وليس كل بشر إنسان فإن المجتمع يمكن أن ينقسم إلي نوعين من الناس يشكلون في مجملهم إما إنسانية البشرية أو بشرية الإنسانية وذلك حسبما ستكون الأغلبية. وفي النهاية فالكل ناس. وكما وصلتنا المقولة المأثورة بأن الناس بالناس والكل بالله فهنا ستبدأ في الظهور علي السطح أحد المفاهيم التي تختص بها مصرية الإنسان ألا وهي أن ناس مصر غير أي ناس بسبب تميزها بتكامل مسلميها مع مسيحييها أي بتكاملها العقائدي وايضا باحتضان مصر لكل الشعوب الوافدة عليها بسبب الحروب أو أي عوامل أخري والتي يلحظ المراقبون من شتي الأجناس والثقافات أن الشعب المصري سرعان ما يتعرف علي ثقافة الآخر ويقبلها بل ويهضمها ويحسن إليها ويتفاعل معها مهما تسببت في تضخم العبء المادي والثقافي والحضاري لدرجة أن ثقافة المصريين المشهورة بالثبات عبر الزمن والكثير ينسبوها سواء بصحيح أو بخطأ إلي الفراعنة أضيفت إليها صفة المرونة الحضارية التي ساعدتها كثيراً علي تخطي عجائب ما قد أتت به الأقدار. يدهشني كثيراً مدي قدرة المصريين وأنا منهم علي التعايش والملائمة والموائمة والتفهم والتقبل بل والأكثر من ذلك الصبر والتحمل والتفاعل مع كل صور التحديات والمعضلات ايا كان نوعها. حديثاً. وكنتيجة لسيل ما نراه باعيننا ونسمعه باذاننا من مفارقات ومفاجآت واحيانا ملابسات عبر ما تنقله إلينا وسائل الإعلام والصحافة والتواصل الاجتماعي فإننا سنجد أننا قد أصبحنا جميعاً وبلا منازع مفكرين وخبراء وسياسيين واحيانا علماء مثلما يخرج علينا الكثير من الناس بمفاهيم ورؤي ووجهات نظر ونقد واعتراض وامتعاض والبعض يبدأ بالانقضاض كي يحظي ببعض التميز والانفراد فيما يعتقد أنه ارتداد أو استبداد قد انتشر في البلاد. لو توقفنا لحظات أمام تاريخنا الحافل بالمفاجآت فمن السهل أن نتوقع أن مستقبلنا ايضا سيبدع في إخراج ما بجعبته من المفاجآت التي يخشي الكثير منا منها كنتيجة لأن العديد من الناس لديهم مخزون متناقض أو متضاد أو دعونا نسميه تباين بين عنصري الكآبة والسخرية فالأول يظهر في الاعتراض والطاقة السلبية والآخر يظهر في الفذلكة واللامبالاة. لا أدري لماذا يذكرني هذا الحديث بالأحداث التي سبقت وعاصرت وتلت فترة الانتصار علي التتار بقيادة قطز ذلك الرجل الذي تصدر لأزمة كبيرة وعدو شرس وليس لديه أي موارد تذكر ولكن باختصار انتصر وتلاه صديقه بيبرس الذي قتله نتيجة وشاية كاذبة فعوض عن فعلته بازدهار مصر في عهده. وعودة إلي ظاهر ما نراه علي سطح الأحداث من الصيحات والمناوشات والكثير من النقائض والاعتراضات علي كل ما بدا من المحاولات المصرية الجادة لعبور نفق ما ورثته مصر من ضربات الضاربين وغارات المغيرين. أجدني استحضر حقائق طالما أعلنها الزمان ومل التاريخ من تكرار كتابتها وأجدها تتوالي علي ذهني الواحدة تلو الأخري أولها أن المصريين ومن عايشهم ممن استقبلوه وقبلوه وتفاعلوا معه دائماً ينتصرون لمصر رغم غلبهم وفقرهم وجهل الكثير منهم. ثانيها أن المصريين ومن شربوا من نيل مصرهم لايزالون يرون أن باستطاعتهم صهر المعضلات لتتحول إلي ثروات ويرون ايضا أن بإمكانهم قهر التحديات وتحويلها إلي ممرات آمنة للعبور إلي مستقبل أكثر أماناً واستقراراً وسلاماً بل ورخاء. ثالثها ان المصريين ومن يحبونهم ويعشقون هواء مصرهم يعلمون أنه مهما غابت الشمس فهناك دائما فجر جديد وهم دائماً علي يقين أن الله سيرسل لهم من يخلصهم من غباء وجهل وعنف وسخافة من يحقدون عليهم ويريدون هدم حضارتهم ويستكثرون عليهم مصرهم. رابعها أن معظم المصريين يؤمنون بأن الله ناصرهم ولو بعد حين وأن عقيدتهم الروحية هي سبب بقائهم وأن تفضيلهم لبقاء أرضهم لذريتهم علي أنفسهم تدفعهم بلا أي تردد إلي الموت فداء لها. خامسها ان الحقيقة الجلية أننا بفضل من الله باقون ومن حولنا يتساقطون وإذا كنا الآن نشعر بالعناء فإن شعوبهم في شقاء إلا من رحم الله وأوصله إلي بلد آمن مستقر كمصر. سادسها أنه لا مفر من صون المقر أي لا مفر من الحفاظ علي الأرض وما حوت وتنمية مواردها واستثمار مقوماتها البكر وايضا ما تلك التي قد نمت. سابعها أن الله لا يضيع أجر المجتهد ولا يظلم ربك أحداً وأن كل جهد يبذله المصريون لنماء أرضهم سيعود بالخير عليهم وعلي ذرياتهم. ثامناً إذا كنا جميعاً بشر فلنرتقي جميعاً بانسانيتنا وباذواقنا ولندرك أنه لا عمل بدون علم ولا علم إلا في سلم وأن لكل منا حلماً يمكن أن يتحول إلي علم فقط إذا تحقق لدينا اليقين بقدرتنا علي صهر المعضلات واستخدامها في قهر التحديات. أيها الناس. يا أيها البشر. يا أيها المصريون استعيدوا ثقتكم في تاريخكم واستلهموا القدرة علي قهر من يحقدون عليكم من الخارج وايضا من هم بين أظهركم فلا تكسلوا ولا تبخلوا علي أنفسكم بالأمل ولا تكسلوا عن العمل فإن من صنعوا لأنفسهم بين الأمم قدراً لم يكونوا من الكسالي ولا مختلفين ولا منتقدين ولا محرضين ولا متآمرين ولا متخاذلين ولا متشائمين أنهم فقط شعوب آمنت بنفسها وأدركت موقفها وعملت بكامل طاقتها فحققت حلمها. فيا إنسان مصر استفق وتعلم واعمل حتي وأنت تتألم فوالله أن غدا لناظره قريب وأن البشارات قد انتشرت وخير شاهد ما قد تحقق وأنت أيها المصري مازلت سيداً علي أرضك فاستثمر الاستقرار فغيرك الآن تحت الحصار.