لو سألنا: لماذا اهتزت ثقة الناس في حكومات العهود السابقة لجاءتنا الإجابة علي النحو الآتي: الإسراف في الوعود وكثرة التصريحات وقلة الأفعال.. والنتيجة فقدان مصداقية الحكومة أي حكومة وإحباط عوام الناس الذين لم يعودوا يطمئنون إلي تصريحاتها إذا ما صرحت. ولا يسمعون لأرقامها إذا ما أعلنت عن إنجازاتها حتي ولو كانت حقيقة لا مراء فيها. ذلك أن أعضاء تلك الحكومات عندما كانوا يشرعون في إصلاح أي ملف متعثر أو ينهضون بإنجاز مشروع ما فإنهم ينهضون بجانب منه. تاركين جوانب أخري دون حل أو إنجاز حتي تفاقمت الأمور وازدادت كلفة الحلول التي لو اتخذت في وقتها لكان أهون وأقل تكلفة وأيسر كثيراً مما هي عليه الآن.. والسؤال: هل تهربت الأنظمة السابقة من حل الأزمات والمشكلات المزمنة حلاً جذرياً ناجعاً. خوفاً علي مقاعدها أم انشغالاً بحروب وصراعات إقليمية.. أم اضطراراً لضيق ذات اليد وقلة الموارد.. أم فشلاً في إدارة تلك الموارد أم لكل تلك الأسباب مجتمعة..؟! أما اليوم فأحسب أن الأمر بات مختلفاً. فالرئيس السيسي كان ولايزال حريصاً كل الحرص علي التأكيد مراراً وتكراراً أنه لن يبيع الوهم للناس وأن ما يعد به ينفذه علي أرض الواقع.. ولعل الشواهد تثبت ما يقوله الرئيس. فرغم ما تمر به مصر والمنطقة كلها من ظروف صعبة صاحبت أحداث 25 يناير وما تركته من آثار كارثية علي اقتصادنا الذي كان قاب قوسين أو أدني من الإفلاس.. وخوض مصر حروباً ضارية ضد الإرهاب الذي تغذيه وتشعله أطراف الشر والتآمر.. فإن الرئيس السيسي رغم هذه التحديات اقتحم معركة البناء والنماء وتصدي لأزمات ومشكلات ما كنا نتخيل أن يأتي اليوم الذي يتم اقتحامها بمثل هذه الجرأة حتي يتم حلها جذرياً.. فقطاع الكهرباء مثلاً كان مترهلاً عاني الإهمال طويلاً حتي بات انقطاع التيار عادة متكررة في أوقات ومواسم بعينها.. وبسببها هربت الاستثمارات وأغلقت المصانع أبوابها جراء نقص الطاقة وعدم القدرة علي تأمين إمداداتها بانتظام.. وهو ما أدركه الرئيس السيسي وعمل علي إصلاحه منذ اللحظة الأولي لتوليه الحكم.. ففي غياب الطاقة يصبح الحديث عن التنمية والتصنيع ضرباً من العبث ومن دونها لا أمن ولا أمان.. وها نحن اليوم نجني ثمرات هذا الإصلاح حتي بات القطاع الذي طالما شكونا منه طويلاً مصدر إشعاع وتجربة نجاح تستحق الإشادة والمحاكاة. ولأن الطرق هي شرايين التنمية وعمادها الرئيسي.. فقد اقتحم السيسي هذا القطاع المهم فأنشأ شبكة طرق بطول البلاد وعرضها. مدركاً أن الطرق أساس العمران والرخاء ومصدر الأمن والأمان.. ومن ثم يتم الآن إنشاء محاور عديدة علي النيل تربط الشرق بالغرب وقد انتهي منها جزءاً كبيراً ويجري استكمال الباقي بجدية لتدخل الخدمة تباعاً.. ولا يبقي إلا أن نحافظ علي هذه الطرق. ونسعي لمواجهة الحوادث بأساليب علمية تتفادي الخطأ البشري الذي يتسبب في حوادث يروح ضحيتها آلاف الأرواح سنوياً وهو ما يفوق ضحايا جميع الحروب التي خضناها.. ويدق ناقوس خطر يقتضي وضع علامات أمان وسلامة لهذه الطرق وتوفير الخدمات المختلفة عليها ومتابعة الصيانة أولاً بأول وتطبيق القانون بحزم للحد من الحوادث المفجعة التي تقع يومياً وتتكبد مصر بسببها خسائر في الأرواح والأموال. أما ملف الإسكان ولاسيما ما يخص جانبه الاجتماعي فقد اقتحمه السيسي بجرأة يحسد عليها فأنشأ آلافاً بل ملايين الوحدات السكنية. إشباعاً لاحتياجات غير القادرين وخصوصاً الشباب المقبل علي الزواج أو المتزوج حديثاً. ناهيك عن سكان العشوائيات والمناطق الخطرة. وهو مشروع ضخم ذو بعد اجتماعي هدفه تحقيق العدالة للإنسان المصري فقيراً كان أو غنياً ليجد مسكناً ملائماً في جو صحي يليق بالمواطن المصري. ولأن العناية بالصرف الصحي هي عناية بصحة الإنسان ولن تكتمل بدونه منظومة السكن الصحي فقد جعله الرئيس السيسي علي رأس أولوياته وأمر بوضع جدول زمني لاستكمال شبكته في عموم البلاد ولم لا وأغلب سكان مصر محرومون من خدمات الصرف الصحي خصوصاً في الريف الذي تتجاوز نسبة حرمانه 80% أو يزيد. ثم جاء قرار الرئيس السيسي بإصلاح منظومة السكة الحديد إصلاحاً جذرياً ليثلج صدور الملايين خاصة من يستقلون القطارات في تنقلاتهم اليومية ومن المقرر أن ينتهي الجزء الأكبر منه في يونيو 2020 حيث قال الرئيس بكلمات قاطعة في مؤتمر الشباب إنه سيكون لدينا سكة حديد جديدة شكلاً وموضوعاً ولن يقتصر إصلاحها علي شراء أكبر أسطول عربات وجرارات فقط بل يمتد ليشمل أيضاً تطوير الأرصفة والمحطات والمزلقانات وشبكة الاتصالات والإشارات.. والأهم تدريب البشر وتطوير أدائهم فهم حجر الزاوية في نجاح أي عمل.. ولم يكتف الرئيس بذلك بل أعطي وعداً قاطعاً بأنه لا زيادة في أسعار تعريفة ركوب القطارات من دون تحسين الخدمة بصورة ترضي المواطن إحقاقاً للعدالة والمساواة. وفي رأيي أن السكة الحديد والطرق في مصر هي أم المشكلات المستعصية التي حصدت أرواحاً بريئة كثيرة بلا هوادة توجع لها قلب مصر واهتز لها ضميرها.. فمن منا يمكنه أن ينسي حريق قطار الصعيد في العياط عام 2002 وهو الأسوأ في تاريخ السكة الحديد ثاني أقدم سكة حديد في العالم والذي حصد أرواح 350 راكباً وأصاب 90 آخرين بحروق خطيرة وحوكم بسببه 11 مسئولاً في الهيئة بتهمة الإهمال ناهيك عن إقالة وزير النقل الأسبق إبراهيم الدميري.. ثم جاء حادث اصطدام قطار بآخر نتيجة تجاوز السرعة المقررة والخطأ البشري مما أدي لوفاة 30 شخصاً وإصابة أكثر من 58 آخرين وبسببه تقدم الوزير لطفي منصور باستقالته هو الآخر.. ثم جاءت من بعده فاجعة أطفال منفلوط 2012 وقت حكم الإخوان حين اصطدمت حافلة بقطار قادم من أسيوط لتزهق يد الإهمال دون رحمة أرواح 52 طفلاً بأحد المعاهد الأزهرية. تعددت كوارث السكة الحديد والأسباب واحدة لم تتغير.. فالإهمال والأخطاء البشرية وتهالك أنظمتها وانتشار الفساد فيها عوامل تقف وراء كل هذه الحوادث.. وهو ما تداركه الرئيس السيسي بإجراءات حاسمة وكلمات قاطعة لإنقاذها وجعلها في حالة تليق بعراقة هذا المرفق وصورة مصر الجديدة أمام العالم.. ويبقي علي وزير النقل د.هشام عرفات أن يضاعف التركيز علي المشروعات الحيوية لبناء مرفق النقل والطرق والموانيء وجعلها علي أحدث ما يكون. وأن يقلل الوزير من تصريحاته المستفزة من عينة أن هناك 50 مليون حالة تهرب من دفع تذاكر القطارات من إجمالي 300 مليون راكب تقلهم السكة الحديد سنوياً دون أن يقول لنا أين أجهزة تفتيشه بالهيئة الموقرة.. وماذا فعل بأصول السكة الحديد وأراضيها البالغة نحو 7 ملايين متر مربع.. وما الذي منعه من استثمارها علي النحو المنشود حتي هذه اللحظة.. وأين إيرادات السكة الحديد ومترو الأنفاق من الإعلانات.. وليعلم الوزير أن تحسين الخدمة مقدم علي رفع سعر التذاكر كما قال الرئيس السيسي. كما أن الناس يمكن أن تتقبل تلك الزيادة إذا ما لمسوا تحسناً حقيقياً في مستوي الخدمة وشعروا بالأمان حين يركبون القطارات أو مترو الأنفاق.. وينبغي للوزير أن يكف عن تصريحاته المستفزة بشأن زيادة أسعار التذاكر قبل قيامه بتحسين الخدمة. وأسأل وزير النقل أيضاً: هل يعقل أن يجني قطاع نقل البضائع بالسكة الحديد 350 مليون جنيه أي ما يعادل 12% من حركة نقل البضائع في مصر.. وماذا فعل لخفض معدلات حوادث الطرق عندنا وهي الأعلي عالمياً.. وكيف يستقيم الحديث عن تطوير هذا المرفق الحيوي ولاتزال مزلقاناته صائدة للأرواح ومقابر للركاب وأغلبها غير شرعي.. أليس تطوير مهارات البشر أهم من تطوير آلات لا يحسن البشر استخدامها.. هل يملك الوزير خطة حقيقية ورؤية متكاملة لتدريب البشر في المترو والسكة الحديد وتأهيلهم للتعامل مع طبقة تكنولوجية بات وجودها في مرفق النقل ضرورة ملحة. لا أبالغ إذا قلت إن النقل والطرق ركيزة أي تنمية أو توسع عمراني حالي أو مستقبلي ولو تم تطوير هذا القطاع براً وبحراً وجواً فلسوف يوفر حلولاً سحرية لأزمات مستعصية ولأمكنه جذب استثمارات ضخمة.. ويمكن لمترو الأنفاق وحده الذي تتسع شبكته يوماً بعد يوم أن يقضي علي الاختناق المروري في العاصمة وما حولها ويوفر فاقداً هائلاً في الجهد والموارد. لقد أعطانا الرئيس السيسي الأمل في إصلاح ملف معقد هو السكة الحديد وهو ما سيجعلها وسيلة نقل آمنة متطورة وحضارية لا يستغني عنها بسطاء الناس.. وكما تعودنا من الرئيس اقتحام الصعاب وتحقيق إنجازات ملموسة علي أرض الواقع ما كنا نتخيل أن نصل إليها في أشهر معدودات.. ولولا جرأته وإصراره علي الإصلاح الاقتصادي ما تحقق شيء مما نراه اليوم ولا جنت مصر ثمرات هذا الإصلاح.. ويبقي أن يعمل الجميع بنفس الروح حتي نقول فعلاً إن مصر تتقدم بنا جميعاً.