من حق المصريين أن يفخروا أن إرادتهم هي الغالبة. وأن زمامهم بأيديهم.. وأن حاكمهم كل حاكم الآن مصرياً أصيلاً من أب وأم مصريين.. يختارونه بأنفسهم عن طريق الانتخاب الحر المباشر وفقاً للدستور والقانون. ومن المهم أن تقرأ الأجيال الجديدة الناشئة تاريخنا لأنه لم يصدق محدثي ما سمعه مني: أن الشعب المصري أخطأ حين واتته الفرصة لاختيار حاكم من بين المصريين بعد خروج الحملة الفرنسية. وانحاز لاختيار حاكم غير مصري جاء جندياً مع الحملة التركية التي دخلت لتخرج الفرنسيين منها. وتجلس هذا الجندي الأجنبي علي عرش مصر. اختار المصريون محمد علي الجندي الذي ترقي بمهارته وذكائه حتي وصل إلي رقم 7 بين الجنود. يقرأ المشهد جيداً ليجد الكثير يتسارعون حول منصب والي مصر. ولكل منهم منهج لا يخرج عن المنهج الذي كان عليه أسلافه من تعسف وجهل التودد إلي المشايخ والأعيان. وتعاطف مع أفراد الشعب موضحاً لهم تعاطفه مع الفلاحين والعلماء حتي استطاع أن يأخذ قلوبهم وعقلهم ويجلس علي كرسي الحكم بتأييد من المصريين بزعامة المشايخ والأعيان الذين عملوا علي تقديم هدية إلي الباب في الأستانة حتي يوافق علي تنصيب محمد علي والياً عليهم. تقول كتب التاريخ التي أرخت للنصف الأول من القرن التاسع عشر أن محمد علي كان يتمتع بذهن صاف وقوة الشخصية والدهاء اللامع الذي يشع من عينيه حين ينظر إلي محدثيه مما يدخل في نفوسهم الرهبة والاحترام. ظل محمد علي علي كرسي الحكم مدة ثلاثة وأربعين عاماً منذ 1805 حتي 1848 ثم تلته أسرته من بعده. .. نعم محمد علي أقام نهضة ضخمة خلال فترة حكمه.. شق الترع والمصارف. ونظم الري. وأنشأ المصانع التي تخدم جيشه درعه وسيفه لتنفيذ خطته وطموحه الممتد إلي دول أفريقيا وآسيا حتي أوشك علي تهديد نظام الحكم في الأستانة.. وكانت كل هذه الاصلاحات لخدمة الأراضي التي أصبح المال الوحيد لها يهب لمن يشاء آلاف الأفدنة ويعطي من يخدمه مثلها.. وهكذا إلا أنها في النهاية كانتك هذه المشاريع خدمة للأمة المصرية علي مدي التاريخ. نعود إلي موضوعنا الرئيسي. وهو المحير والمثير للاستغراب أن المصريين لم يخضعوا لحكم واحد من بينهم منذ دخل قمبيز الفارسي مصر سنة 525 قبل الميلاد. واتتهم فرصة ذهبية حتي يتكتلوا ويتجمعوا ليختاروا حاكماً من بينهم. لكن الاختيار يقع علي عسكري من قوله جاء ضمن جنود الحملة التركية لاخراج الفرنسيين من مصر. تري ما الذي دفع المصريين إلي ذلك وهو اختيار حاكم أجنبي امتداداً لمنظومة الحكام التي حكمت مصر منذ قرون طويلة. لعل سبب ذلك أن الصفوة التي اختارت كانت من أصول تركية أو كردية أو شركسية وهم من بيدهم الأراضي الشاسعة التي كان يعمل فيها المصريون الحفاة الفقراء الذين لا يملكون من حطام الدنيا سوي الدعاء للسلطان بالنصر...!!!