العدل ميزان الله الذي وضعه للخلق. ونصبه للحق. فلا تخالفه في ميزانه. ولا تنازعه في سلطانه. وقد قالوا : إن الله "عز وجل" ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة. ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة. وأن الملك قد يدوم مع العدل والكفر. ولا يدوم مع الإسلام والظلم. والعدل اسم من أسماء الله الحسني. فهو الحكم العدل. وقد حرم ربنا "عز وجل" الظلم علي نفسه فقال في الحديث القدسي : "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَي نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلا تَظَالَمُوا". وأرسل سبحانه وتعالي رسله جميعًا بالحق والعدل. حيث يقول سبحانه : " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ". ويقول سبحانه مخاطبًا نبينا "صلي الله عليه وسلم": "فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابي وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ". وجعل سبحانه وتعالي العدل من الأمور الراسخة التي أجمعت عليها الشرائع السماوية. حيث يقول سيدنا عبد الله بن عباس "رضي الله عنهما" في الوصايا العشر التي وردت في أواخر سورة الأنعام : إنها من الأمور المحكمات التي أجمعت عليها جميع الشرائع السماوية. فلم تنسخ في أي ملة من الملل أو شريعة من الشرائع. وفيها قوله تعالي: " وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَي". فقد أمرنا سبحانه وتعالي بالعدل في الأقوال. وفي الأفعال. بالقسط بين الناس جميعًا. في الرضا والغضب. في القريب والبعيد. في الصديق والعدو. حيث يقول الحق سبحانه : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَي أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَي بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَي أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا". ويقول سبحانه : " وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمي عَلَي أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرى بِمَا تَعْمَلُونَ" . ولأهمية العدل كان الإمام العادل في مقدمة السبعة الذين يظلهم الله "عز وجل" في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. حيث يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": " سَبْعَةى يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ . الإِمَامُ الْعَادِلُ . وَشَابّى نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ . وَرَجُلى قَلْبُهُ مُعَلَّقى فِي الْمَسَاجِدِ . وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ . وَرَجُلى طَلَبَتْهُ امْرَأَةى ذَاتُ مَنْصِبي وَجَمَالي فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلى تَصَدَّقَ بصدقه أَخْفَي حَتَّي لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ . وَرَجُلى ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " "صحيح البخاري". علي أن العدل الذي ننشده هو العدل علي كل المستويات . علي مستوي الفرد . وعلي مستوي المجتمع بكل أركانه ومؤسساته . فالإنسان مطالب بالعدل بين أبنائه وفي أسرته وسائر جوانب حياته . كما أن علي كل مسئول علي أي مستوي كان أن يعدل فيما ولاه الله إياه . حيث يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم" : " مَا مِنْ رَجُلي يَلِي أَمْرَ عَشَرَةي فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَّا أَتَي اللهَ مَغْلُولًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدُهُ إِلَي عُنُقِهِ فَكَّهُ بِرُّهُ أَوْ أَوْبَقَهُ إِثْمُهُ ". علي أن تحقيق العدل الإداري بين المرءوسين وبين المتعاملين يعمق الولاء والانتماء الوطني. أما ظلم الناس وتقديم الولاء علي الكفاءة فيولد الاحتقان المجتمعي ويضعف الولاء الوطني . ويؤدي إلي الشقاق المجتمعي. وعاقبة الظلم هي الهلاك والدمار في الدنيا والسخط وسوء العاقبة يوم القيامة. حيث يقول الحق سبحانه في شأن الظالمين : " فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا". ويقول سبحانه : "فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ". ويقول سبحانه : "وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ" . أما في شأن الظالمين يوم القيامة. فيقول سبحانه : " وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَي يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ". ويقول سبحانه : " مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمي وَلَا شَفِيعي يُطَاعُ". ويقول سبحانه : " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ". ويقول سبحانه : " إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءي كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا". وإذا كان الماء المغلي يشوه البطون فإن ماء جهنم من نظر إليه علي بعد فإنه كما جاء في الآية الكريمة " يَشْوِي الْوُجُوهَ". جزاء وفاقا .