دعوة الرئيس السيسي لتثبيت أركان الدولة رغم جديتها ووجاهتها فقد قابلها للأسف بعض الإعلاميين والساسة ورواد التواصل الاجتماعي بسخرية فجة وليس بالنقد الموضوعي الهادف.. وكأنهم عمي البصيرة لا يعنيهم وطن ولا يراعون فيه ذمة ولا ضميرًا.. وكأنهم لا يرون حجم المخاطر والتهديدات التي لا تزال تحيط بنا من كل جانب ومازلنا بين الحين والآخر نجني الحصاد المر للإرهاب والتطرف الذي زرعه أهل الشر الذين لا يرضيهم أن تقوم مصر أو تنهض بدورها الإقليمي الذي يحفظ للأمة توازنها وتماسكها ويذود عن حماها ويدفع عنها كل باغِ ومعتدِ.. ألا يري هؤلاء مخطط إسقاط مصر منذ بشرت به كوندوليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا في عهد بوش الابن.. أليس حديثها عن الفوضي الخلاقة تبشيرًا بما جري في 25 يناير 2011 وما وقع بعدها من استقطاب حاد وانقسام هائل وخلاف علي الهوية واستغلال بعض الشباب والنخبة ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لخلق حالة تفسخ وضرب النسيج الوطني وتفجير الأوطان بيد بعض بنيها المغرر بهم واستهداف مؤسسات الدولة ومحاولة هدم جيشها لتبقي بلا درع ولا سيف يحميها ويذود عن حدودها واستقرارها.. ألم يشاهد هؤلاء حروب الجيل الرابع وأدواتها الناعمة في الهدم وإشاعة الفوضي والتهييج والتشكيك في كل شيء والشحن الطائفي الذي يهدف إلي التقسيم والتنازع وزوال وحدة الشعوب وهدم الدول بمعاول الصراعات المذهيبة تارة. والدينية تارة أخري والعرقية تارة ثالثة والسياسية تارة رابعة.. وهكذا تدور الدائرة الجهنمية التي لا ينجو منها أحد وتسقط الدول بأيدي أبنائها دون إطلاق رصاصة واحدة من أعدائها. لماذا يتعامي هؤلاء الضالون عما يحاك ضد مصر من ترصد واستهداف لا يسمح لها بالتقاط الأنفاس . فتقع بين الحين والآخر أحداث وجرائم إرهابية تدمي القلوب وتهز الضمائر وتحصد أعز أبناء مصر من الجيش والشرطة.. ألا يدل ذلك علي أنها لا تزال مستهدفة بقوة تحاك ضدها المؤامرات وتدفع الأموال ويجري تسريب معلومات استخباراتية من أجهزة دول أجنبية لإيقاع الضحايا في صفوفنا وتصدير الإحباط وتوهين العزائم وإضعاف الروح المعنوية لشعبنا وجنودنا علي شتي الجبهات . ماذا يفعل الرئيس والحال هكذا إلا أن يبادر ببث روح الصمود والمقاومة في أوصال الجيش والشرطة والشعب وشتي أجهزة الدولة.. ألا يستلزم ما نحن فيه من حرب ضد الإرهاب وأفكار التطرف أن يسارع الرئيس لاستنهاض الهمة الشعبية وإبقاء جذوة التحدي علي قوتها التي ظهرت عليها يوم خرجت الملايين إلي الشوارع تفويضنا للمشير السيسي لحرب الإرهاب وحماية الدولة واسترجاعها من براثن الفوضي وأتون الاقتتال الداخلي الذي كادت الجماعة الإرهابية تدفعنا إليه بقوة مثلما جري في سوريا وليبيا وغيرهما . ما قاله الرئيس حول ضرورة تثبيت أركان الدولة وحمايتها من المتربصين بها وما أكثرهم لمن يحب أن يفهم حقيقته ومقاصده ليس ليس وليد اللحظة ولا هي المرة الأولي التي ينبه فيها الرئيس لمثل هذا الخطر فقد قال الرئيس في مستهل رئاسته للبلاد في أحد لقاءاته بالمثقفين. ردًا علي سؤال حول رؤيته لما يجري وأولوياته فقال إنها تتلخص في ضرورة الحفاظ علي الدولة ومؤسساتها . فتلك في رأيه أمانة كبيرة وضعها الشعب في عنقه يوم اختاره رئيسًا للبلاد وفوضه قبلها لمحاربة الإرهاب . ويقيني أن الرئيس يهمه أن يعي المصريون حقيقة ما يجري حولهم وأن تتكون لديهم لفرط خطورته ¢ فوبيا إسقاط الدولة ¢ ليس تخويفًا ولا تهويلاً بل تحصينًا لوحدتهم من رياح الفتنة وتأمينًا لدولتهم من عواصف التآمر التي تبغي النيل منهم ومن وطنهم.. ولِمَ لا وقد رأوا بأم أعينهم كيف جري تحضير ¢ عفريت داعش ¢ في المشرق العربي ثم ذاب هذا المارد فجأة وتسرب أعضاؤه إلي جبهات أخري يجري تجهيز مسرحها لمعارك مشابهة. تهلك الحرث والنسل وتفشل الدول وتذهب بأمنها واستقرارها إلي الأبد.. دون أن يسأل أحد هؤلاء المشككين الساخرين أنفسهم : من فعل ذلك.. ولماذا.. وكيف نحمي أنفسنا من مأساة سيناريو مشابه؟! ألا يري هؤلاء ما يجري تدبيره في الخارج ثم تنفذه عناصر آثمة مارقة في الداخل بهدف إسقاط مصر منذ 25 يناير وحتي اليوم.. فمن أحرق أقسام الشرطة وهرب المساجين والمسجلين خطرًا.. من تخابر وخان وقبض ملايين الدولارات.. ومن رقص علي أنغام الفوضي وعلي دماء الأبرياء والشهداء.. أليس ما حدث لمصر في السنوات الست الماضية دليلاً لا يقبل الشك علي أن ثمة مخططًا لإسقاطها وإسقاط دول عربية أخري بعضها دخل النفق المظلم بالفعل وبعضها يصارع للنجاة.. ومن نجا لا يزال الخطر جاثمًا فوق صدره.. ألم يجر تنفيذ مخطط الشر بالتوازي والتتابع.. أم أن هناك قلوبًا عليها أقفال صدئة لا تريد أن تري إلا ما يعجبها وتعمي أن تري الحقائق مجردة ؟! وإذا كان الرئيس لا يترك مناسبة إلا وينبه للخطر من حيث يراه فماذا فعلت الحكومة لدرء رياح الفتن واستنهاض العزائم والهمم وشحذ جذوة الوطنية في نفوس المواطنين ضد الإرهاب وداعميه ومنفذيه.. أليس واجبًا عليها تحصين الجبهة الوطنية وتمتينها بزيادة الوعي الشعبي بالمخاطر وتطبيق القانون بحزم وعدل علي الجميع بلا استثناءات وتجفيف منابع الفقر والتطرف.. متي نري كل الجبهات تعمل بالكفاءة ذاتها التي عليها رجال الجيش والشرطة.. إلي متي نتركهم وحدهم يحاربون بينما نحن ها هنا قاعدون . لا نعمل . لا نشارك في المعركة بأداء ما علينا من واجبات بضمير وطني صادق وهمة عالية أليست نجاةُ الدولة نجاةً لنا جميعًا.. ألا تحملنا جميعًا سفينة واحدة.. ألا يحصد الإرهاب بين الحين والآخر أعز ما نملك ولا يزال يتوعدنا بالمزيد.. ويأتينا الغدر من جانب من نظنهم أشقاء لا يتورعون للأسف عن سفك الدم وتمويل القتلة وفتح الحدود وتوفير غطاء آمن للإرهابيين ! الشعب أذكي من أن يخدعه أحد . وهو يري ببصيرته مقدار الخطر المحدق ببلده لكنه أيضًا في حاجة للتذكير . فالذكري تنفع المؤمنين.. هو في حاجة لمن يأخذ بيده . يتواصل معه ينظم جهوده وصفوفه وأفكاره. بعيدًا عن دعاوي التضليل والإفك التي تروجها قنوات الشر ومواقع التراشق الاجتماعي. ما من شك أن أخطر ما تواجهه مصر اليوم هو محاولات غرس اليأس والإحباط في النفوس ودفعها للاستسلام لسيناريو إشاعة الفوضي والإحباط وهز الثقة في الدولة ومؤسساتها تمهيدًا لعزل الشعب عن قيادته وحكومته . وذلك مبتغي حروب الجيل الرابع والخامس التي لا تتوقف . وهي لا تقل خطرًا عن الإرهاب والفساد . والزيادة العشوائية في السكان بلا زيادة مماثلة في الموارد والإمكانيات . ومن ثم فلم يعد سؤال الوقت : هل نحن في خطر . بل كيف نواجه مثل الخطر ونقضي عليه . في ظل ظروف دولية واقتصادية أشد صعوبة مما مضي وربما هي الأصعب في تاريخنا كله.. فثمة تربص متشابك الخيوط لتضييق الخناق علي مصر. وإيقاف تقدمها نحو المستقبل..وإلا فبم نفسر الهجوم المستمر الذي تشنه منظمات حقوقية دولية مثل ¢ العفو الدولية ¢ أو هيومان رايتس ووتش بخلاف ما تفتريه الصحافة العالمية.. ولمَاذا لم تعد السياحة إلي سابق معدلاتها مع روسيا مثلاً رغم تحقيق المعايير العالمية الخاصة بالسلامة والأمن في مطاراتنا.. ولماذا إصرار إنجلترا علي تحذير رعاياها من السفر لبعض المناطق في مصر.. ؟! هناك للأسف من يعمل علي إنجاح هذا المخطط التآمري في الداخل. يستوي في ذلك الأجهزة الحكومية المتراخية والمسئولون الذين لا يقدرون حجم المسئولية السياسية الملقاة علي عاتقهم. سواء في معركة الإرهاب أو محاربة الفساد. أوالتنمية والبقاء .. فكيف تنقطع الكهرباء مثلاً في مطار القاهرة لأكثر من ساعتين . وهو ما تبرأت منه وزارة الكهرباء ومن ثم أصبح مسئولية ¢ الطيران المدني¢ وحسناً ما فعله النائب العام بحبس المتسببين في ذلك .. كيف يفكر المسئولون المقصرون.. ألا يسيء مثل ذلك لسمعة مصر . ناهيك عن الارتباك الذي يعتري أداء مسئولين آخرين في ظل إصرار الجماعة الإرهابية وتصميمها علي الإيقاع بمصر في براثن الفوضي ونفق الأزمات والكوارث والحوادث الإرهابية التي لا نبرئ منها أجهزة مخابرات دول علي رأسها إسرائيل وقطر وتركيا اجتمعت كلها علي هدف إسقاط مصر . وبدلاً من أن تتنادي نخبتنا وإعلامنا إلي إنقاذ البلاد وتمتين جبهتنا الداخلية والالتفاف خلف قيادتها وجدناها تغرق في سفاسف الأمور ولا تبدي إلا السخرية مما يقوله الرئيس في خطبه وأحاديثه وإجراءاته الإصلاحية لحماية البلاد وتحصينها ضد دعاوي الإحباط والسوداوية إثر كل أزمة . الأمر الذي يجعل تلك النخبة وذلك الإعلام جزءًا من المشكلة لا جزءًا من الحلول . وهو ما تنبه إليه الرئيس جيدًا منذ اللحظة الأولي فكرر القول إن أخطر ما يمكن أن نواجهه هو تفكيك جبهتنا الداخلية الموحدة ولو أن المصريين ظلوا علي قلب رجل واحد ما استطاع كائن من كان أن يعيق تقدمهم نحو المستقبل.. لكن ذلك لا يمنعنا من القول إن ثمة كسلاً أصاب أجهزة مناعتنا ممثلة في قوتنا الناعمة كالإعلام والمجتمع المدني والأحزاب التي صارت في وادي والدولة وأولوياتها في وادي آخر فلا هموم السواد الأعظم من الشعب هي همومها ولا معركته هي معركتها. ولا وجدناها تعقد منتديات أو مؤتمرات لتوعية المصريين بما يجري من مخططات لإفشال دولتهم ولا طرحوا حلولاً من خارج الصندوق لعلاج أزمات مزمنة بل بات النقد لمجرد الظهور أو الشو الإعلامي وإثبات الوجود هو السمة الغالبة ولم نجد برنامج توك شو واحدًا يبادر بتبني ملف من الملفات المتعثرة وما أكثرها.. ليقدم الحقيقة للناس. والرؤية والمخرج للحكومة أو ينقد بصورة موضوعية أداء الحكومة. ويكشف بالقدر ذاته ما يمارسه بعض رجال الأعمال من دور سلبي وتنصل من المسئولية الاجتماعية لرأس المال وهو ما آن له أن يتوقف بعد دعوة الرئيس إلي تثبيت أركان الدولة . الأمر ذاته ينطبق علي منظمات المجتمع المدني المحلية . فلا قامت إحداها بتوثيق جرائم الإخوان ولا تصدت بالرد الموضوعي علي مزاعم أوروبية مغلوطة حول مقتل الشاب الإيطالي ريجيني. ولا فنّدت افتراءات المنظمات الدولية والصحف الأجنبية حول كثير مما يخص الشأن المصري. السكوت هنا ليس فضيلة بل نقيصة وجريمة تتماهي مع الأعداء والكتائب الإلكترونية لجماعة الشر وتضليل للرأي العام . الحفاظ علي الدولة مهمة - لو تعلمون- عظيمة وهي أوجب الواجبات.. مهمة تفرض المواجهة المجتمعية الشاملة يشارك فيها الجميع بنصيب وافر . فليس من المنطق أن نترك الجيش والشرطة وحدهما في مواجهة الإرهاب وتنظيماته بل آن الأوان لتتحمل النخبة والإعلام والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والشبابية دورها.. صحيح أنه لا أمن في الشارع إذا غابت الشرطة. وصحيح أيضًا أنه لا اجتثاث للفكر الإرهابي إلا إذا نشط العقل المصري وتجدد الفكر وتحرر الوعي وتضافرت الجهود كلها لتجفيف منابع الفقر والعشوائية والمرض.. وتلك مسئوليتنا جميعًا. ولا مفر من خوض معركتها بجسارة علي قلب رجل واحد.