لا يتوقف المتطرفون عن ترديد شعارات خادعة واستخدام مصطلحات شرعية لخداع البسطاء وتغليف جرائمهم بغلاف شرعي. فاصطلاح الجهاد الذي يتشدقون به كلمة حق يراد بها باطل.. فقد شرعه الإسلام للدفاع عن النفس والدين والوطن. والتكفيريون جعلوه وسيلة لقتل المسلمين وتخريب أوطانهم. وأصبح جهاد هؤلاء عدواناً صارخاً علي أبرياء. وليس مواجهة لمعتدين علي النفس والدين والوطن.. والإسلام برحمته وعدله لا يقر هذا العدوان بأي حال من الأحوال. والجهاد الذي يرفع رايته هؤلاء لا علاقة له من قريب أو بعيد بالجهاد جاء به القرآن ورسم طريقه ومنهجه رسول الانسانية صلوات الله وسلامه عليه. والتزم بآدابه وأخلاقياته حكام وقادة جيوش المسلمين. ممن فهموا دينهم فهما صحيحا. وأدركوا عدله ورحمته وإقراره لكل حقوق الإنسان في السلم والحرب. وقد تصدي شيخ الأزهر د.أحمد الطيب لهؤلاء المتطرفين الذين يخلطون الأوراق ووضع النقاط علي الحروف وبدد كثيرا من الأوهام والأغاليط حيث أكد أن قصر مفهوم الجهاد علي القتال خطأ وافتراء علي الإسلام» لأنَّ القتال نوع من أنواع الجهاد. وهو تارةً يكون فرض كفاية. إذا قام به البعض سقط عن الباقين. وتارةً يكون فرض عين. وذلك إذا هجم العدو علي بلدي ودخلها. وحينئذ يكون القتال واجبًا علي كلِّ فردي مكلف من أفراد هذا البلد.. فإذا هجم العدو علي بلدي مسلم ودخلها وأمعن في القتل والتخريب والترهيب. فحينئذ يكون القتال واجبا علي كل فرد مكلف من أفراد هذا البلد. لأن البلد أمام خطر داهم. وإذا كان للجهاد وزارة للدفاع ترتب أموره ولديها محاربون مدربون علي مواجهة العدو» فإنه في هذه الحالة يكون فرض كفاية. فلا يجب علي الجميع. وإنما علي المدربين والمؤهلين لملاقاة العدو. وأوضح شيخ الأزهر أن المشكلة الرئيسة في التعامل مع مصطلح الجهاد هي اعتقاد بعض الناس خطأ في أن الجهاد لا يكون إلا بالسلاح. وفي الوقت نفسه لا يعلمون أن الجهاد له أنواع أخري غير قتال العدو. منها. مكافحة المرض لخَلْقِ إنساني مسلمي صحيحي. ومكافحة الجهل لبناء عقلية مسلمة تفيد مجتمعها. ومكافحة الفقر ليصبح لدينا إنسان مسلم سوي قادر علي الارتقاء بوطنه وأمته. وبين شيخ الأزهر في كتابه "مفهوم الجهاد في الإسلام" أن دعوات الجهاد الحركيِّ الذي انتشر بين الجماعات المسلحة في العصر الحديث كانت دعوات للخروج علي الحاكم وبعض الناس والمجتمع. وهي التي فلسف لها أبو الأعلي المودودي. ثم من بعده سيد قطب في كتابه: "معالم في الطريق". وشدد د.الطيب أن هذه الدعوات لم تُعرف في تاريخ الإسلام. ولم ترد عن النبي صَلَّي اللَّهُ عَلَيْه وسَلَّمَ إطلاقًا. حيث خوطب بقوله تعالي: "ادْعُ إِلِي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ". فالآية تشير إلي أن طرق الدعوة تتمثل في الحكمة. والموعظة الحسنة. والجدال بالتي هي أحسن. وذلك علي حسب أصناف المدعوين.. والإسلام لا يعترف بالجدال السيِّء الذي يؤدي إلي ضياع الحقيقة والتطاول علي الآخر. وأكد شيخ الأزهر أن إعلان الجهاد وترتيب أموره خاص بولي الأمر ومن ينيبه. وبمصطلحاتنا الحديثة هو حق الحاكم ممثلا في وزارة الدفاع. ولا يمكن في عصرنا هذا إعلان الحرب خارج وزارة الدفاع أو خارج دائرة الحكم. ولا يجوز لأي شخص أو أي جماعة حركية أن تجيش جيشا وتخرج عن هذا النطاق. الجهاد أشكال وأنواع وأشار الإمام الأكبر إلي أن الجهاد في الإسلام كلمة مطلقة تعني بذل المجهود في سبيل الله.. فهناك جهاد الشيطان. وجهاد النفس. وذلك بمقاومة الشهوات والميول الشيطانية. وهذا لا يقل شأنا عن القتال. وهناك جهاد بالحجة والبرهان. وجهاد بالمال. وجهاد بالتصدي للفقر والجهل والمرض وصرف الناس عن دين الله» لأنَّها تهدم مباشرة المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية» وهي "حفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض". وأضاف أنه سواء كان عدوك عدوا حسيا علي الجبهة أو عدوا معنويا» كمحاربة الفقر والتخلف. هذا كله جهاد في سبيل الله. وأما قصر الجهاد علي حمل السلاح فهذا اختزال للدين في جزئية معينة. إذ لا يجوز مقاتلة الأعداء إلا إذا رفعوا السلاح. والله سبحانه وتعالي يقول:"وقاتلوا فِي سبِيل الله الَذين يقَاتلونَكم ولا تعتدوا إِن الله لاَ يحِب الْمعتدين". ولم يقل سبحانه: وقَاتلوا فِي سبِيل الله الَذِين يخالفونكم في الدين. وحول المزاعم التي يرددها الجهلاء عن انتشار الإسلام بالسيف يقول الإمام الأكبر: ليس صحيحًا ما يقال عن الإسلام من أنه دين قتال أو دين سيف. فلفظة "السيف" هذه ليست من ألفاظ القرآن ولم ترد فيه ولا مرة واحدة.. ويؤمن المسلمون بأن الله أرسل محمدًا رحمة للعالمين. وليس رحمة للمسلمين فحسب. بل أرسله الله رحمة للإنسان والحيوان والجماد والنبات. وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالي: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". وقال صلي الله عليه وسلم عن نفسه: "أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة". ومن يفهم تعاليم هذا النبي خارج إطار الرحمة العامة والسلام العالمي. فهو جاهل به وبتعاليمه ومسيئ إليه. كذب ووهم وتلبيس وعن دعوي التكفيريين بأنهم هم المجاهدون في سبيل الله وأن بقية المسلمين حكاما ومحكومين فرطوا في فريضة الله وذروة سنام الإسلام يقول د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق: هذا كذب ووهم وتلبيس في دين الله حيث انهم- أي المتطرفين والتكفيريين- جهلوا مفهوم الجهاد وتبنوا مفاهيم مختلة وفاسدة وجعلوا شروط الجهاد وأهمها ان يكون تحت راية الإسلام. فقد نهانا رسول الله- صلي الله عليه وسلم- عن الجهاد تحت راية العصبية التي تدمر ولا تعمر حيث قال: "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات. مات ميتة الجاهلية. ومن قتل تحت راية عمية يغضب للعصبية ويقاتل للعصبة فليس من أمتي