جرت عادة الناس في دنيا الناس أن يتودد الأدني إلي الأعلي فيتودد الفقراء إلي الأغنياء ويتودد أصحاب الحاجات إلي ذوي السلطان. ويتودد الضعيف إلي القوي. وهذا حال عامة الناس. أما الصالحون فيتوددون إلي الله عز وجل. وأن يتودد العبد إلي خالقه ورازقه فهذا أدب وشرع. أما أن يتودد الله الغني الكبير المتعال القوي العزيز إلي عباده الفقراء وكلنا إلي الله فقراء فهذا منّة وفضل منه سبحانه. والله يتودد يتحبب يتحنن إلي عباده بنعمه التي لا تعد ولا تحصي!! فيتودد إليهم بستره لا يفضحهم في الدنيا وإن صدقت توبتهم لا يفضحهم في الآخرة ويتودد إليهم بعفوه فلا يعاقبهم إذا تابوا وأنابوا إليه بل يغفر الزلات بعفوه عن كثير. لما قال سيدنا إبراهيم خليل الرحمن: يا كريم العفو يا رب. قال له سيدنا جبريل: أتدري ما كرم عفو الله يا خليل الرحمن؟! فقال سيدنا إبراهيم: الله أعلم فأخبره سيدنا جبريل بقوله: إنه من كرم عفوه سبحانه وتعالي أنه إذا نظر إلي السيئة غفرها ثم أبدل مكانها حسنة. والله تعالي يقول في القرآن في شأن التائبين الصادقين في توبتهم "فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما" "الفرقان 70". ومن وده سبحانه أن يؤنس العبد التائب إليه. كي لا يقع في شعور الألم والخجل من المخالفة والتقصير الذي بدر منه في حق الله. فيؤنسه الله تعالي بكرمه وعفوه. وانظر إلي هذا النداء الودود للمقصرين والمسرفين في حق الله. لقد أضافهم الله سبحانه وتعالي إلي نفسه ليوسع لهم باب الرجاء والأمل في عفو الله ومغفرته. وذلك هو قوله سبحانه: "قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" "الزمر 53". ومن وده سبحانه في يوم القيامة أنه يدني عبده إليه كما ورد في الحديث الصحيح فيقرره بذنوبه كلها ذنباً ذنبا حتي يظن العبد أنه قد هلك. حينئذ يقول الله عز وجل له: "عبدي سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ولا أفضحك بين خلقي". ومن وده سبحانه أنه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. ومن وده سبحانه أن من أعرض وتولي عنه ناداه من قريب. ومن أقبل عليه تائباً تلقاه من بعيد. ومن وده سبحانه ألا يعجل العقوبة. بل جعل لملك الحسنات سلطاناً علي ملك السيئات. فإذا اقترف العبد خطيئة أمر ملك الحسنات ملك السيئات أن ينتظر لعل العبد أن يستغفر وأن يتوب. فإذا تاب العبد كتبها ملك اليمين حسنة. وإلا كتبها ملك السيئات سيئة واحدة. فإن فعل العبد حسنة كتبها ملك اليمين عشر حسنات. ومن وده سبحانه ما ألقي في قلب الأم والأب من مودة وحنان للأبناء. ومن وده سبحانه أن جعل بين الزوجين مودة ورحمة. قال تعالي: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" "الروم 21". فسبحان الله الغفور الودود الذي ينزل الغيث من بعدما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد. وكل هذه المعاني هي من فيض قول الله تعالي: "إن ربي رحيم ودود" "هود 90". اللهم اجعلنا من أهل ودك في الدنيا والآخرة.