الغفار اسم من أسماء الله الحسني, وهو من الغفر بمعني الستر لغة, ويطلق مجازا علي العفو والصفح; قال تعالي: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي, طه:82], وقال سبحانه:فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا, نوح:10], وقال عز وجل:رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار, ص:66], واسم الفاعل من غفر: غافر, وقد ورد اسما لله تعالي, قال تعالي: أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين,الأعراف:155], وكذلك وردت صيغة المبالغة الغفور اسما له سبحانه في مواضع عدة بلغت واحدا وتسعين موضعا, منها: قوله تعالي: وهو الغفور الودود, البروج:14], وقوله: فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم,البقرة:192], وكذلك وردت في السنة النبوية في مواطن كثيرة, منها ما جاء في جوابه صلي الله عليه وسلم علي سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما سأله أن يعلمه دعاء يدعو به في الصلاة; حيث قال له:قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كبيرا وقال قتيبة: كثيرا- ولا يغفر الذنوب إلا أنت,فاغفر لي مغفرة من عندك, وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم(متفق عليه). والغفور أبلغ من الغافر, والغفار أبلغ من الغفور: لأنه وضع للتكثير, ومعناه أنه يغفر الذنب أبدا.ومعناه في حق الله تعالي أي الذي يظهر الجميل ويستر القبيح, والذنوب من جملة القبائح التي يسترها فيسبل الستر عليها في الدنيا ويتجاوز عن عقوبتها في الآخرة. ومغفرة الله تعم في هذه الدنيا الإنسان( المسلم وغير المسلم); قال تعالي مخاطبا عباده: قل ياعبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم, الزمر:53], وقال الله تعالي مخاطبا نبيه صلي الله عليه وسلم مبينا رحمته ومغفرته الدنيوية: وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا, الكهف:58], وكذلك بين الله تعالي أنه مع رحمته الواسعة ومغفرته شديد العقاب, قال تعالي:نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم, الحجر:50,51]. ويجب علي كل مسلم أن يعلم أن الله تعالي هو الغفار علي الإطلاق, وأنه لا يغفر الذنوب إلا هو, ومغفرته لمن تاب عليه بعد ذنبه أمر ليس فيه اختلاف; فكل من أقلع عن ذنبه وصدق الله في توبته عفا الله عنه وغفر له وعاد كمن لا ذنب له; قال صلي الله عليه وسلم: إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلي الله تاب الله عليهب, صحيح البخاري/2661], والمسلم عليه أن يعلم أن من تعلق بالله تعالي, وكان دائم الصلة به حفظه الله تعالي من كل سوء, وأمده بالنور, قال تعالي: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم,الحديد:28] وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم شديد التعلق باسم الله تعالي الغفار حيث كان دائم الاستغفار, وقد جاء ذلك في قوله: اوالله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة(صحيح البخاري/6307). وتعلق العبد بهذا الاسم يتأتي بستر عيوب غيره; قال النبي صلي الله عليه وسلم: امن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرةب,صحيح مسلم/2699], وعلي ذلك فالمغتاب والمتجسس ونحوه ممن يتتبع عورات الناس فيظهرها وينشرها قد خلا عن الوصف بحظه من هذا الاسم, وإنما المتصف به من لا يفشي من خلق الله تعالي إلا أحسن ما يجد; فإنه لا يخلو مخلوق من نقص إلا سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد استعاذ صلي الله عليه وسلم ممن كانت صفته أن يعمي عن الحسن ويكتمه ويذكر ما يري من سيئات الناس بقوله: اللهم إني أعوذ بك من جار عينه تراني,وقلبه يرعاني,إن رأي خيرا دفنه,وإن رأي شرا أشاعه(مصنف ابن أبي شيبة/29891), وفي ذلك تنبيه علي أن من شأن المسلم أن يذكر أحسن ما يري, ويغض الطرف عما يري من سيئات أخيه, بل قد تعدي إلي أنه ينبغي عليه أن يغفر لمن أساء إليه, قال تعالي:وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم,النور:22], وقال تعالي:ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم,فصلت:34]. فاللهم استرنا بسترك الجميل, وحقق فينا رحمتك حتي نكون رحمة للعالمين تعلقا بشأن حبيبك صلي الله عليه وسلم.. آمين المزيد من مقالات د. علي جمعة