أكد خبراء علم النفس والاجتماع أن قضايا قتل الأبناء لآبائهم والعكس لا تعدو عن كونها حالات فردية ولم تصل لدرجة الظاهرة والإعلام هو الذي يركز عليها. وتزداد مع التحضر وارتفاع معدل الطموح والرغبة في الثراء علاوة علي انتشار ظاهرة المخدرات التي تساعد علي تغييب العقل ووجود مرضي الفصام داخل مجتمعنا مما يدفعهم لقتل أبنائهم والانتحار معهم ناهيك عن اختفاء التراحم الأسري داخل الأسر نتيجة انشغال الأب والأم بالبحث عن الأموال للإيفاء بمتطلبات الحياة مما يجعل أفراد الأسرة الواحدة غرباء داخل بيت واحد وبالتالي لا يشعرون بالدفء الأسري ويصبح الآباء كأشخاص عاديين عند أولادهم وهنا تقع الكارثة. يقول الدكتور نادر قاسم خبير الإرشاد النفسي بجامعة عين شمس إن العشرة والتربية علاقات موجودة بين الإنسان وأهله وعائلته الكبيرة وهذه الأواصر تتغذي علي المودة والكلمة الحسنة والنصيحة مما يكون لقاء أسري حاراً ولكن من منطلق ما ذكر من آيات بالقرآن الكريم توضح أن من الأزواج والأولاد أعداء لبعضهم البعض نجد العلاقات الأسرية تأثرت بالظروف الاجتماعية المحيطة بها وأصبحت متهتكة هشة. فكل فرد في الأسرة لم يعد يتحمل أي كلمة من الآخر. ففي الماضي كان هناك احترام لكبير العائلة وللبيت الكبير والخال والد والأخ الكبير يحرص علي زيارة أخواته البنات وأمه وبالتالي ينقل خبرته لتربية الأجيال ولكن الآن لم يعد هناك قدوة وتمزقت كل الأواصر الأسرية فلم يعد هناك كبير يحتوي الصغير وأصبحت الأسرة تلتف حول شاشة الفضائيات لمشاهدة أبلة فاهيتا بدلاً من أبلة فضيلة فهناك دعوي للفرنجة والتغريب لذا أصبحنا مغتربين داخل المجتمع. فالأب متفرغ لجمع الأموال ولا يوجد لديه وقت للدفء الأسري والتربية حتي نسبة تواجده بالمنزل لمتابعة أولاده تكاد تكون بسيطة جداً ولا يوجد تفاعل مع الأم التي هي في الأصل منتهك حقوقها داخل المجتمع لذا نجد أجيالاً ضائعة لا تعرف التراحم الأسري والمودة. ويستكمل قاسم حديثه موضحاً وجود عوامل أخري ساعدت علي التفكك والعنف داخل الأسرة أهمها وسائل الإعلام وتفشي ظاهرة المخدرات التي تساعد علي تغييب العقل ومن هنا يمكن للمدمن أن يفعل أي شيء لدرجة أنه يمكن أن يقتل أقرب الناس إليه وهنا يجب عودة الإطار الاجتماعي القيمي والدور الاجتماعي وهذا دور وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني لتوعية الأسر بأهمية الترابط والتراحم الأسري حتي نلفظ أي ظواهر سلبية عن مجتمعنا خاصة العنف. بينما تري الدكتورة سوسن فايد أستاذ علم النفس الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن هناك عوامل كثيرة تساعد علي تزايد ظهور الحالات الفردية السلبية بالمجتمع وليس بالضرورة أن تنطبق بشكل عام علي الجميع فكل إنسان له ظروفه. فهناك حالات مرضية بحيث يفكر الآباء والأمهات في قتل أولادهم ليخلصوهم من عذابات الدنيا اعتقاداً في أن الدار الآخرة هي الخلاص والسعادة لذا أحياناً ينتحرون معهم وهؤلاء المرضي لديهم فصام مصحوب بهلاوس بصرية وسمعية. أما الأبناء فنجد في الفترة الأخيرة نتيجة عدم الاحتواء الكامل لرب الأسرة والأم لانشغالهم بجمع المادة وتعدد أدوار المرأة اختفي لديهم التراحم العاطفي تجاه والديهم وأخواتهم وأصبح كل فرد بالنسبة للآخر شخصاً عادياً علاوة علي انتشار المخدرات بشكل جنوني داخل معظم الأسر مما يزيد من طلب الأموال لدرجة تفقده شعوره ويقتل أمه أو أبوه طلباً للمال ويكون الرد بعد وقوع الجريمة "أنا مش عارف عملت كده إزاي" فالحصول علي المخدرات أقوي عنده من حنان والديه كما قد نجد جرائم تندرج تحت مسمي الجرائم المسكوت عنها مثل اغتصاب الأب لابنته بدافع أنه أولي بها من الغريب ومع غياب الضمير وكثرة مشاهدته لأفلام ومشاهد إباحية تكون الرغبة في الفوز بابنته أقوي من غريزة الأبوة ويمكن أن تحمل البنت وتتمرد علي والدها لذا يقوم بالتخلص منها لذا يجب تضافر جهود المؤسسات المجتمعية والدينية لخلق مناخ أسري يعيد الأخلاق والمباديء لمجتمعنا للحد من الفجوة السوداء بين الأبناء والآباء. تؤكد الدكتورة سامية الساعاتي أستاذة علم الاجتماع جامعة عين شمس أن هذا النوع من الجرائم والسلوكيات عزف علي وتر قديم وتسمي بالجرائم الأسرية المعروفة من زمان وهي أحد فروع الجريمة وتحدث في أي بلد وأي مجتمع مثل اعتداء الأخ علي أخته أو الأب علي ابنته ولها أسباب متعددة منها مرضية مثل الهوس الجنسي وعواقب الإدمان ولا تخرج عن كونها حالات فردية ولا يمكن أن نحكم عليها بظاهرة عامة ومنتشرة حتي لا نرهب الناس بهذه السلوكيات الدميمة وفي ذلك نرجع للبحث العلمي في تحديد انها ظاهرة أو حالة فردية بإثبات الحقائق والوقائع كما هي كما في ظاهرة المدمنين بالمخدرات التي انتشرت في عالمنا فلابد أن نفرق بين الظواهر والحالات الفردية مع مناشدة وسائل الإعلام عدم التركيز علي مثل هذه الحالات الفردية حتي لا تكون قدوة لكل نفس ضعيفة. وتعترض الدكتورة نادية رضوان أستاذة علم الاجتماع جامعة بورسعيد علي وسائل الإعلام لتركيزها علي إظهار بعض سلبيات المجتمع وتؤكد أنها ظاهر ولكنها في الأصل حالات فردية فلا ننسي أن عددنا في تزايد مستمر وبالتالي الجرائم يومياً في تزايد وأن في السابق كان عددها أقل ولا ننكر أن هذه الجرائم خلقت مع الإنسان منذ بداية الخليقة قابيل وهابيل ولها دوافع كثيرة لكن معروف في علم الاجتماع ان ترتفع معدلات الجريمة والانتحار والعنف مع التحضر والمدنية وذلك بارتفاع الطموحات الشخصية والتوجه نحو المادة والرفاهية ومتع مادية أي تتحول الحياة بانسحاب القيم المعنوية والمادية تطغي وتظهر معها جرائم أخري مثل التهرب وخرق القانون وهذا يحدث بمجتمعنا فعندما تحول المجتمع من قروي إلي مدني تحولت معه العلاقات من علاقات القرابة الضيقة إلي محيط أوسع من هنا تزداد الجرائم ويزداد العنف. وترجح رضوان ظهور جرائم قتل المحارم والأقارب لوجود عوامل أخري مثل انتشار أفلام الأكشن ومصاصي الدماء وأفلام بها مخلوقات غريبة الشكل مما يؤثر علي الناس بالسلب وتكرار هذه الرسالة يخلق نوعاً سلبياً في المجتمع خاصة إذا كانت مع مجتمع هش كالمجتمع المصري أما في الخارج الناس تعي تماماً إن ما يشاهدونه عبارة عن أفلام ولا يتأثرون بها. فهناك عدة أسباب قد تؤدي إلي الجريمة مثل المخدرات وتغيب العقل وقد تجتمع عدة أسباب في شخص واحد وتدفعه للقتل وربما يكون هناك دافع واحد. فالدوافع كثيرة وتختلف من شخص لآخر حسب الظروف المحيطة به فكل شيء وارد ويستحيل إرجاء الجريمة لعامل واحد فقط.