أقحم الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة نفسه في مشكلة هائلة ودخل إلي المصيدة بتصريح مثير للجدل ولن يخرج منها سالما. فإن يكون للوزير مشاكل مع الصيادلة فإن هذا مقبول.. وأن يتم انتقاد أوضاع المستشفيات فإنه يستطيع أن يتحمل ذلك ويجد ما يبرر به التقصير.. وألا تكون للوزير سياسة صحية معروفة فإن هذا لن يسبب له الكثير من المشاكل لأن معظم الوزارات تتصرف حتي الآن كما لو كانت مجرد وزارات تسيير أعمال! ولكن أن يتحدث الوزير عن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بسوء فإن الوزير بذلك دخل دائرة المحرمات التي لا يجوز الاقتراب منها أو المساس بها فالذين سيهاجمون الوزير بسبب ذلك يشكلون جماعة الضغط والتوجيه والتأثير في المجتمع ولن يلتمسوا له عذرا ولن يقبلوا منه ايضاحا وسينهالون عليه بكل أنواع السكاكين. وقد بدأوا في ذلك وأمطروا الوزير بوابل من رصاص السخرية والتجريح لأنه تجرأ وانتقد مجانية الصحة في عهد جمال عبدالناصر وقال انها كانت سببا في انهيار منظومة الصحة في مصر! والوزير في تصريحه لم يكن سياسيا بدرجة كافية ليدرك ابعاد هذا التصريح الذي سيوحد كل القوي السياسية "الخامدة" أو "المشتعلة" لتتحالف ضده من أجل الاجهاز عليه فعبدالناصر لديهم خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه إلا بالمدح وبالاشادة. والوزير له مطلق الحرية في ان يعبر عن افكاره وآرائه وتصوراته بالكيفية التي يراها في اطار حرية التعبير وحق الاختلاف في الرأي بعيدا عن هذا النوع من الإرهاب الفكري الذي تعرض له خلال الساعات الماضية. والهجوم علي الوزير يوضح مدي التناقض والازدواجية لدي المثقفين الذين ينادون ويتحدثون ويدافعون عن حرية التعبير لأنفسهم وينكرونها علي غيرهم إذا اختلفوا معهم ويحاولون اغتيالهم بالاتهامات الجاهزة التي تصل إلي حد التخوين والعمالة. ان ما قاله الدكتور أحمد عماد الدين هو مجرد رأي ولكن ما ناله عقابا علي هذا الرأي هو الجريمة بكل ابعادها! *** وما كل هذا العداء لمجلس النواب وأعضائه ولماذا نحاول اصطياد وتضخيم كل تصرفات الأعضاء وتصريحاتهم! ان عضوا بالمجلس احضر معه الفطير المشلتت والجبن والعسل من محافظته ليقيم عزومة لزملائه بعد انتهاء الجلسات في تقليد سائد بين الأعضاء وليس في ذلك جريمة ولا خروجا علي المألوف ولا خرقا للأعراف والتقاليد!! ولكن الذين لا يجيدون إلا السخرية والتنكيل بغيرهم. سارعوا فأطلقوا عليه "نائب الفطير المشلتت" وتهكموا علي العزومة والفطير ولسان حالهم علي عكس ذلك يقول ياليتنا كنا معهم! ونائبة حاولت مجاملة وزير الزراعة وقالت له "الليلة عيد" فاتهموها بالغناء والتطبيل له.. ونالت ايضا حظها من التعليقات الساخرة. ويتعرض النواب دائما لحملات من التشويه والتجريح تتجاوز حدود النقد وتتعدي كل الحدود المسموح بها في الرأي والتعليق. ومن حق النواب أن ينفعلوا وان يغضبوا وان تنشأ حالة من العداء بينهم وبين الإعلام وأن تزداد الحلقة والفجوة اتساعا بتبادل مستمر للاتهامات وبشعور من عدم الثقة والاطمئنان. وهي علاقة غير صحية لن تساعد البرلمان في أداء عمله ولن توفر للإعلام ظهيرا شعبيا يسانده في معاركه وتحدياته من أجل حرية الحصول علي المعلومات وحرية التعبير. ان العلاقة بين مجلس النواب والإعلام ينبغي ان تأخذ أبعادا أخري من التكامل والتعاون لأن معركتنا جميعا واحدة وهي تجاوز المرحلة الصعبة لبناء وطن جديد يقوم علي أسس ومقومات ثلاثة.. الديمقراطية.. الشفافية.. حقوق الإنسان. *** وبالإفراج النهائي عن الرئيس السابق حسني مبارك وبعد أن أصبح حرا طليقا تسدل الأستار علي فصل من فصول الثورة "الغامضة" ويدور التساؤل الآن حول ما سيفعل مبارك مستقبلا وهل يعتزم السفر للسعودية لأداء العمرة أم انه سيظل باقيا في مصر. ولن يذهب مبارك إلي أي مكان.. ولن يسافر خارج مصر وحيث يمكن ان يؤدي سفره إلي استرجاع ذكريات الماضي وإلي اثارة حساسيات وتوترات وربما أيضا ملاسنات! ومبارك الذي سيبقي في القاهرة يقرأ المشهد جيدا ويدرك انه كان محظوظا بعدم احالته إلي محاكمات ثورية استثنائية ويقدر تماما عدم التضحية به وكل الجهد الذي بذل من أجل انقاذه ومبارك لا يريد الآن إلا أن يعيش في سلام فالصفحة طويت ولم يعد له إلا الذكريات. *** ولا يمكن أن يقارن أي شعب بالشعب المصري.. فالمصري حيفضل مصري "النيل رواه والخير جواه" ويتمتع دائما بخفة دم لا نظير لها وهو شعب محب للحياة حتي في أصعب الظروف وفي كل الأوقات وفي أي مكان. والشاب المصري المقيم في المدينةالمنورة بالسعودية الشقيقة تزوج في مصر ولم يقم فيها فرحا بمناسبة الزواج.. وأتت العروس للمطار بفستان الزفاف لتجد ان عريسها قد احضر معه مجموعة من الأصدقاء الذين اقاموا لها زفة داخل مطار المدينةالمنورة وقد تعالت اصواتهم بالأغاني الشعبية.. وصلي صلي صلي علي النبي صلي صلي.. وعروستنا حلوة... صلي. وكل شيء كان جميلا.. المشهد والروح والسعادة وحيث وقف اخواننا من السعوديين يلتقطون الصور ويتفاعلون معهم وهتف سعودي مناشدا العريس والعروسة عندما تبادلا العناق والقبلات.. بلاش.. كله إلا كده.. بلاش وحياة أبوكم خليها تعدي علي خير! ويارب فعلا تكون الزفة عدت علي خير.. ولا تجذب شرائط الفيديو المصورة للواقعة أعضاء جماعة الأمر بالمعروف وغيرهم و"يعكننوا" علي العريس والعروسة والزفة كان شكلها حلو.. وفيه حاجات لازم تعدي! *** وهزتني الكلمات التي كتبها أخي وصديقي عماد الدين أديب في صحيفة "الوطن" عن شقيقه عمرو أديب الذي أجري عملية في القلب. وأعادني أديب إلي الماضي عندما كنا نعمل معا في صحيفة "العالم اليوم" وكان عمرو أصغرنا وأكثرنا حماسا وتوهجا. وبقدر اختلافي مع عمرو أديب في طريقة الأداء المسرحي الذي يقدم به برنامجه وفي نبرة الصوت العالية التي يتحدث بها إلا ان عمرو الذي خرج عن جلباب عماد له نكهة خاصة واداء ارتبط به وموضوعات لا يقتحمها غيره. كل أمنياتي بالشفاء لعمرو.. والأمنيات الأكبر لعماد أديب ان يكون معنا مرة أخري في مصر وان يكون في الصورة الاعلامية من جديد.. فعماد قيمة وقاحة ومدرسة في الاحترام والتواضع.