يتناول د. سعيد الوكيل أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب جامعة عين شمس في فصول كتابه الصادر أخيرا عن الدار المصرية اللبنانية عددا من الأعمال الروائية التي شكلت علامات مضيئة في تطور السرد الروائي المصري والعربي لعدد من الروائيين العرب من أقطار متنوعة ومن أجيال مختلفة. بدءًا من نجيب محفوظ وانتهاءً بخليل صويلح. مرورًا بإبراهيم الكوني وصنع الله إبراهيم ويحيي مختار وإبراهيم عبد المجيد ومحمد البساطي. كما يسعي الكتاب إلي الإفادة من مناهج علم السرد وعلم العلامات وتحليل الخطاب في كشف رؤي النصوص وطرائقها الدقيقة في التعبير والتأثير. ومن ثمّ يسعي إلي تدقيق مصطلحاته وأدواته. من غير إغراق في التعقيد والإغراب» ليتسني لغير المختصين كذلك الاقتراب منه بالتواصل والاكتشاف الممتع. وأشار دكتور سعيد الوكيل أن هناك علاقة بين كتابه الجديد "نزهات أخري في غابة السرد" وبين كتاب الروائي الإيطالي الشهير إمبرتو إيكو . حيث يتداخل عنوان الكتاب نصياً وبوضوح مع كتاب إمبرتو إيكو "6 نزهات في غابة السرد". لكن طريقة التناول بالتأكيد مختلفة. مثلما يتناول إيكو السرد باعتباره متشبع الدروب وفيه كثير من التعقيد. يتبني كتابي الفكرة نفسها. ويؤكد أن السرد العربي سر خصب ويضارع النصوص العالمية وينافسها بقوة. لسنا في حاجة إلي تأكيد ذلك بالإشارة إلي الكاتب الكبير نجيب محفوظ. بل إلي كثير من مبدعينا علي امتداد تاريخ الإبداع العربي. لذلك فإن الكتاب يركز علي فكرة أن كل جيل يقدم إبداعاً له رونقه الخاص. ليس هذا فحسب. ولكن يؤكد أنه ربما تنقضي السنون وتختلف المشارب ويظل من الأعمال ما يتميّز بنوره الذي لا ينطفئ وعبيره المتوهج. وأبرز مثال علي ذلك نجيب محفوظ. ولفت المؤلف إلي إن كل نص سردي يشمل عددًا غير قليل من الذوات التي يمكن تقسيمها إلي ثلاثة مستويات» أولها مستوي الملقي. فتكون هذه الذوات مؤلفة أو ساردة. وثانيها مستوي الرسالة فتكون هذه الذوات شخصيات. وثالثها مستوي التلقي فتقوم هذه الذوات بدور المتلقين. وهذا التصور البسيط طبيعي إذا اتفقنا مع بارت علي أن العمل السردي - مثل الاتصال اللساني - يفترض ¢الأنا¢ و¢الأنت¢ فيه كل منهما الآخر» إذ لا يتأتي له أن يكون من غير راوي ومن غير سامع أو قارئ. والقضية ليست في استبطان دوافع السارد. ولا في استبطان الآثار التي ينتجها السرد في القارئ. إنها في وصف النظام الذي يكون فيه للراوي والقارئ معني علي طول العمل السردي ذاته. فكل عمل سردي له مظهران» فهو قصة وخطاب في الوقت نفسه. بمعني أنه يثير في الذهن واقعًا ما وأحداثًا قد تكون وقعت وشخصيات روائية قد تختلط بشخصيات الحياة الفعلية. وقد كان بالإمكان نقل تلك القصة ذاتها بوسائل أخري. فتنقل بواسطة شريط سينمائي مثلاً. وكان بالإمكان التعرف عليها كمحكي شفوي لشاهد ما دون أن يتجسد في كتاب. لكن العمل الأدبي خطاب في الوقت نفسه» فهناك سارد يحكي "يرسل" القصة لقارئ يدركها. وعلي هذا المستوي ليست الأحداث التي يتم نقلها هي التي تهم. إنما الكيفية التي أطلعنا السارد بها علي تلك الأحداث. وهكذا تتعدد الذوات داخل العمل السردي. ولكنها تتداخل أيضًا مما يجعل خطوط التقاطع بين هذه الذوات أكبر من أن يحتويها هذا التصور الأولي البسيط. في ضوء هذه الرؤية ومن خلال التصور النقدي الغربي أوضح المؤلف إمكانية أن نميز في عملية السرد عددًا من الذوات أولها المؤلف ¢المؤلف الواقعي¢. ويقف في مقابله في دائرة التواصل ¢القارئ الواقعي¢» فالمؤلف الواقعي أي المبدع الحقيقي للعمل الأدبي يوجه رسالة أدبية - بوصفه مرسلاً- إلي القارئ الواقعي الذي يعمل بوصفه مرسَلاً إليه متلقيًا. فالمؤلف الواقعي والقارئ الواقعي شخصان حقيقيان. إنهما لا ينتميان إذن إلي العمل الأدبي. بل إلي العالم الواقعي. حيث يعيشان بمعزل عن النص عيشة مستقلة.