كما تضمنت حيثيات الحكم لمحة تاريخية عن جغرافية تيران وصنافير حيث قالت الحيثيات إنه بات من اللازم في ضوء ما تقدم توضيح الوضع الجغرافي لمضيق تيران والجزيرتين محل الطعن . فمضيق تيران هو المدخل الوحيد الصالح للملاحة بخليج العقبة . وهذا الخليج يبلغ طوله 96 ميلاً وأقصي نقطة لعرضه 5 و14 ميل وبداخل هذا الخليج جزيرتان صخريتان هما جزيرتا تيران وصنافير وعدد آخر من الجزر الصغيرة المتناثرة تبلغ ثلاثين جزيرة تنتشر حولها الشعب المرجانية . وتقع جزيرة تيران علي بعد ثلاثة أميال من الساحل المصري وأربعة أميال ونصف الميل من الساحل السعودي عند رأس فرنك وتقع بين جزيرة تيران والساحل المصري مجموعة من الشعب المرجانية الممتدة علي هيئة خط طولي يمتد ناحية الشمال وتلك الشعب المرجانية تقسم مضيق تيران وهو الجزء الواقع بين الجزيرة والساحل المصري إلي ممرين الشرقي الواقع بين الجزيرة وتلك السلسلة من الشعب المرجانية يسمي ممر جرافتون وعرضه 950 ياردة وتصعب فيه الملاحة . والثاني ممر الانترابرايز ويقع ملاصقاً لساحل شبة جزيرة سيناء المصري وعرضه 1300 ياردة إلا أن الصالح للملاحة منه لا يتعدي 500 ياردة ملاصقة تماماً للساحل المصري . أما جزيرة صنافير فتقع علي بعد ميل واحد ونصف شرق تيران والطرف الجنوبي والجنوبي الغربي منها تحده الصخور التي تمتد شمالاً تاركاً قناة ضيقة بينهما وبين الساحل الغربي لها وتتناثر الشعب المرجانية حول الشاطئ الغربي لها وبذلك يكون الجزء الواقع بين تيران وصنافير غير صالح للملاحة كما أن الجزء الواقع بين صنافير والساحل السعودي غير صالح - أيضاً - للملاحة . والجزء الوحيد الصالح للملاحة لهاتين الجزيرتين هو ال 500 ياردة الملاصقة لساحل شبة جزيرة سيناء المصرية وعلي الساحل الغربي لمضيق تيران تقع رأس محمد كما تقع شرم الشيخ وشرم المديا شمالاً وتقع رأس نصراني علي بعد ميل واحد ونصف الميل شمال شرم الشيخ ويوجد به فنار ساحلي ومحطة لتموين السفن علي بعد اثنين ميل ونصف الميل شمالاً ومؤدي ذلك ولازمه فإن المقصود بمضيق تيران هو جزيرتي تيران وصنافير والممرات الواصلة المحيطة بهما توصلاً للرئة التي تتنفس من خلالهما وتكون صالحة للملاحة علي خليج العقبة وهي الملاصقة تماماً لساحل شبة جزيرة سيناء المصري لا غيره . ومضيق تيران علي هذا النحو هو المنفذ الوحيد لخليج العقبة ويصله بالبحر الأحمر . ويمثل في ذات الوقت وما يجاوره من جزر أهمية اقتصادية واستراتيجية لمصر .وكان يجب أن تكون بذاتها تحت بصر وبصيرة من أقدم علي اتخاذ الإجراء خاصة في ظل الظروف والملابسات والحقائق السالف ذكرها والتي لم تقطع بملكية أو سيادة دولة اخري للجزيرتين ويدعم حق مصر وسيادتها علي الجزيرتين وكذا حقها في ممارسة كافة السلطات عليهما ما ورد باتفاقية 1982 لقانون البحار من تحديد سلطات الدولة علي بحرها الإقليمي حيث تضمنت ما يلي: 1- حق اتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع المرور غير البريء. 2- حق الإيقاف المؤقت للمرور البريء من مساحات معينه من البحر الإقليمي إذا كان هذا الإيقاف لازما لحماية أمن الدولة الساحلية. 3- حق ممارسة الولاية الجنائية علي ظهر السفن المارة عبر البحر الإقليمي في حالات معينة. 4- حق ممارسة الولاية المدنية علي السفن الراسية أو العابرة للبحر الإقليمي بعد مغادرتها المياه الداخلية. 5- حق طلب مغادرة السفن الحربية للبحر الإقليمي في حالة عدم امتثالها لنظم الدولة الساحلية بشأن المرورأو تجاهلها طلب الامتثال الموجه لها. 6- حق مراقبة منطقة من البحر مجاورة للبحر الإقليمي من أجل منع خرق القوانين الجمركية والجبائية والصحية وقوانين الهجرة داخل الإقليم البري للدولة الساحلية أو بحرها الإقليمي علي ألا تتجاوز هذه المنطقة 24 ميلا. 7- حق المعاقبة علي خرق القوانين والأنظمة الذي يُرتكب علي البحر الإقليمي والإقليم البري للدولة . وهو الأمر الذي مارسته مصر عبر تاريخها بلا منازع علي كل من جزيرتي تيران وصنافير وما حولهما من مياهها الإقليمية وعلي نحو ما سلف بيانه بشأن السفن الأجنبية دفاعاً عن مصالحها الاقتصادية والأمنية. وجدير بالذكر أنه حتي القرن التاسع عشر فقد كان القانون الدولي يميز بين مجالين بحريين فقط هما البحر العالي والمياه الشاطئية المجاورة للدولة الساحلية إلا أن مؤتمر لاهاي لسنة 1930 ميز بين أربع مجالات رتبها انطلاقا من اليابسة علي الشكل التالي : المياه الداخلية والبحر الإقليمي المنطقة المتاخمة والبحر العالي واعتبر المياه الداخلية والبحر الإقليمي مجالين خاضعين لسيادة الدولة الساحلية إلا أن الفوضي القانونية في مجال البحر الإقليمي كانت بمثابة الحافز علي الدعوة إلي عقد المؤتمر الثالث لقانون البحار وتبين من خلال الدراسات التي انجزت حول الموضوع أن نسبة كبيرة من الدول الساحلية تبنت مسافة 12 ميلا كعرض للبحر الإقليمي ولقيت هذه المسافة إقبالاً واسعاً خلال المؤتمر الثالث لقانون البحار ونصت عليها المادة 3 من اتفاقية الاممالمتحدة لقانون البحار عام 1982 والتي ورد فيها أن لكل دولة الحق في أن تحدد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلاً مقيسة من خطوط الأساس المقررة وفقاً لهذه الاتفاقية ولم توضح اتفاقية جنيف حول البحر الإقليمي والمنطقة المجاورة عام 1958 ولا اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار عام 1982 بشكل كاف حدود المياه الداخلية حيث نصت الاتفاقية الأولي في الجهة المواجهة للأرض من خط قياس البحر الإقليمي تكون جزءاً من المياه الداخلية للدولة ونصت الاتفاقية الثانية في الفقرة الأولي من المادة الثامنة علي أن المياه الواقعة علي الجانب المواجه للبر من خط الأساس للبحر الإقليمي تشكل جزءاً من المياه الداخلية للدولة وتخضع المياه الداخلية للنظام القانوني المطبق علي الإقليم الأرضي للدولة الساحلية التي تمارس علي هذا المجال البحري سيادة مطلقة بدون قيد أو شرط حيث يعود لها وحدها حق تحديد النظام القانوني لمياهها الداخلية والقوانين المطبقة عليها فيما يتعلق بالصيد ومرور السفن الأجنبية وقد جاء في تعليق لجنة القانون الدولي علي هذا الموضوع عام 1956 أن الدول الساحلية تمارس سيادتها في مياهها الداخلية بنفس الطريقة التي تمارس بها سيادتها علي إقليمها الأرضي واعترفت اتفاقية عام 1982 في مادتها الأولي بخضوع المياه الداخلية لسيادة الدولة الساحلية بنفس مستوي خضوع الإقليم الأرضي لسيادة هذه الأخيرة إلا أنها استثنت في الفقرة الثانية من المادة الثامنة من هذا النظام المياه الداخلية التي كانت تشكل جزءاً من البحر الإقليمي أو البحر العالي ثم أصبحت مياهاً داخلية بعد استعمال خطوط القياس المستقيمة حيث اعترفت للسفن الأجنبية بحق المرور البريء عبرها وقد سادت نظرية في الفقه الدولي تقول بأن البحر الإقليمي هو امتداد للإقليم الأرضي للدولة الساحلية تفرعت عنها نظريتان إحداهما : تمنح الدولة حق الملكية علي بحرها الإقليمي وثانيهما: تمنح الدولة حق السيادة فقط علي بحرها الإقليمي دون حق الملكية ويعتبر البحر الإقليمي - حسب نظرية الملكية - جزءاً من إقليم الدولة الساحلية وبذلك فإنه يخضع لملكية هذه الأخيرة التي من حقها وحدها أن تمارس عليه نفس الحقوق والسلطات والاختصاصات المخولة لها علي إقليمها الأرضي في حين يري أنصار نظرية السيادة فقط أن الدولة الساحلية تمارس علي بحرها الإقليمي سيادة تختلف عن تلك التي تمارسها علي إقليمها الأرضي . لأن المجال البحري يتميز بخصوصياته . ولذلك تمارس عليه الدولة الساحلية ولاية خاصة في بعض المجالات مثل الصيد والجمارك والدفاع . وذلك من أجل ضمان أمنها وحماية مصالحها ولا ريب أن الجزيرتين وما حولهما من المياه الإقليمية تملك مصر عليهما حقي الملكية والسيادة وممارسة هذه السيادة لم يشبها عرقلة المرور البرئ . وما تري من تفاوت في ممارسة مصر سيادتها المذكورة فإذا أرجعت الحكومة الطاعنة البصر لتقرأ التاريخ . فلن تري من فطور أو إخلال أو تصدع أو شقوق . ثم إذا أرجعت البصر كرتين في جميع حقب تاريخ مصر للقول بإنكار سيادتها علي الجزيرتين ينقلب إليها البصر خاسئاً وهو حسير. وتاريخياً لقيت النظرية السالفة إقبالاً واسعاً علي المستوي الدولي حيث تبناها المعهد الامريكي للقانون الدولي في مشروعه العاشر المتعلق بالملك الوطني عام 1925 حيث نصت المادة الثامنة منه علي أن الجمهوريات الأمريكية تمارس حق السيادة علي مياه وقاع وما تحت قاع بحارها الإقليمية كما تبناها أيضاً معهد القانون الدولي بشكل صريح خلال دورة استوكهولم عام 1928 حيث أعلن أن الدولة تمارس السيادة علي المنطقة البحرية التي تغمر شواطئها وتحمل اسم البحر الإقليمي وهيمنت نفس النظرية علي أعمال مؤتمر لاهاي عام 1930 سواء خلال أجوبة الحكومات علي استمارات اللجنة التحضيرية أو من خلال الوثيقة النهائية التي نصت المادة الأولي منها علي أن إقليم الدولة يشمل منطقة من البحر تعرف باسم البحر الإقليمي وتمارس السيادة علي هذه المنطقة حسب شروط محددة في هذه الاتفاقية وقواعد القانون الدولي الأخري واستقرت نظرية السيادة من خلال عدة اتفاقيات دولية أهمها: اتفاقية شيكاغو الجوية عام 1944 والتي تنص المادة الأولي منها علي أن أطراف الاتفاقية يعترفون لكل دولة بالسيادة الكاملة والخالصة علي المجال الجوي الذي يعلو إقليمها وتعرف المادة الثانية منها إقليم الدولة بأنه يتكون من المناطق الأرضية والمياه الإقليمية المجاورة الخاضعة لسيادتها واتفاقية جنيف عام 1958 حول البحر الإقليمي والمنطقة المجاورة والتي تنص في الفقرة الأولي من المادة الأولي منها علي أن سيادة الدولة تمتد إلي ما وراء اقليمها الأرضي ومياهها الداخلية إلي منطقة من البحر مجاورة لسواحلها تعرف باسم البحر الإقليمي وتضيف في المادة الثانية منها علي أن سيادة الدولة تمتد إلي البحر وما تحت قاعه وأخيراً اتفاقية قانون البحار عام 1982 والتي تنص في المادة الأولي منها علي ما يلي: 1- تمتد سيادة الدولة الساحلية خارج إقليمها البري ومياهها الداخلية أو مياهها الأرخبيلية إذا كانت دولة أرخبيلية إلي حزام بحري ملاصق يعرف بالبحر الإقليمي . 2- تمتد هذه السيادة إلي الحيز الجوي فوق البحر الإقليمي رهنا بمراعاة أحكام هذه الاتفاقية وغيرها من قواعد القانون الدولي. ولا ريب أن ممارسة جمهورية مصر العربية لسيادتها علي جزيرتي تيران وصنافير وعلي مياهها الاقليمية يكون موافقاً لجميع تلك الاتفاقيات الدولية فمضيق تيران مضيق وطني مصري يقع في أرض مصرية خالصة محظور علي كافة سلطات الدولة والشعب صاحب السيادة التخلي عنه.