اعتدنا عبر نموذج إدارة استمر لأكثر من 40 عاماً أن نختار الحلول السهلة والنمطية لأكثر مشاكلنا تعقيداً .. "لا نعطي العيش لخبازه" كما يقول المثل بمعني عدم التفكير في أساليب الإدارة العلمية والمتطورة كل يوم والتي تستشرف المستقبل ولعل عبارة التفكير خارج الصندوق التي نتداولها أخيراً تلخص حالنا. العالم الآن يعتمد علي ما يعرف "بمركز التفكير" والتي تتصدي لدراسة المشاكل قبل ظهورها والتخطيط لعشرات السنين القادمة وحتي المشاكل الأمنية والتي تختلف حولها وجهات النظر لا تحسم إلا في هذه المراكز والتي تحظي بدعم كبير من إدارة الدولة ونتعامل مع ما تقدم من أبحاث وآراء وتحليل باحترام شديد فالقرار لا يبني إلا علي دراسة متعمقة من هذه المراكز التي تضم بين أعضائها متخصصين في إدارة الأزمات ولذلك تأتي الحلول مدروسة لا تخلق مشاكل جديدة علي أرض الواقع. والسؤال.. أين نحن من ذلك في إدارة أمورنا؟ * باعتراف خبراء الإدارة نحن بعيدون كثيراً عن هذه المنطقة من الوعي رغم أننا نملك مراكز كثيرة للتفكير وخبراء لا يقلون كفاءة عن الخارج كالمجالس المقدمة المتخصصة مثلاً ودعم اتخاذ القرار والكثير من مراكز البحوث في الجامعات لكن كل ذلك تحول لمجرد ديكورات أبحاثها وتقاريرها حبيسة الادراج والقرار في النهاية بيد المسئول. تجاهلنا "مصانع الفكر" هذه حين أقدمنا علي تجربة الخصخصة رغم أن مفكرينا قدموا وقتها بدائل كثيرة لم نلتفت لها وكانت النتيجة انهيار الصناعة المصرية ومعها العمالة المدربة وفتح جبهات كثيرة لاستيراد بالمليارات استنزف العملة الصعبة وقفز بالدولار للسماء. والامثلة كثيرة في التعليم والعلاج والخدمات وغيرها من نواحي الحياة التي استوردنا لها برامج ونماذج لا تتفق مع ظروف المجتمع.. فلم نتقدم خطوة بل تراجعنا خطوات للوراء. ومناسبة هذه المقدمة الطويلة هو ما طرحته وزارة الصحة في بداية دراسة تطوير المستشفيات التكاملية والبالغ عددها 544 مستشفي تكلفت 1.2 مليار جنيه منذ عشرين عاماً وكان لها هدف نبيل هو الوصول بالخدمة الطبية السريعة لإنقاذ الفقراء في القري والنجوع وقد تبرع نسبة كبيرة من أهالي تلك القري بالأراضي التي اقيمت عليها تلك المستشفيات ولأسباب تتصل بظروف ارتباطنا بالاقتصاد الغربي لفترات طويلة أغلقت تلك المستشفيات وظلت كذلك حتي تذكرتها وزارة الصحة أخيراً. كثيرون رحبوا بالفكرة فهي بالفعل جائزة كبري لمن يحصل عليها خاصة أنها ستكون في قري تفتقد تماماً للخدمة الصحية وسيجني من يحصل عليها الملايين السريعة والسهلة.. كان ذلك هو الحل الأسهل الذي لجأت له الوزارة في البداية وشكلت لجنة برئاسة مسئول الموارد البشرية للتنفيذ لكنه إذا نفذ سيكون الاصعب علي ملايين المرضي من الفقراء.. وحسناً فعلت الوزارة حين انصرفت عن هذا الحل ولجأت للمستشفيات الجامعية لإدارة التكاملية. حقيقة هذا الحل يحتاج لبذل جهد أكبر لكنه علي المدي البعيد سيوفر خدمة صحية متميزة لملايين الفقراء في كل محافظات مصر.