في الليلة الأخيرة لكابوس 2016 كنت أفكر في المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء مع تمنياتي له بالطبع بالصحة الأغلي من كل المناصب.. كان يدفعني الفضول والعتاب والاحباط إلي التساؤل: ماذا يفعل معاليه الآن.. هل كان يحاسب نفسه بصدق عما قدمه منذ سبتمبر 2015 للشعب الصابر علي سوء أداء بعض وزرائه خلال الفترة الماضية.. هل كان يواجه ضميره الحي عما فعلته حكومته بالمصريين.. هل عاتب نفسه علي تجاهل تحذيرات ونصائح عشاق هذا البلد ومحبي الرئيس الذين يتمنون له النجاح في مواجهة كل ما نعاني منه من تحديات لثقتهم أولا في إخلاصه وصدقه ولأن مصر لن تتحمل أي بديل آخر؟ وفي تصوري أن من أكبر أخطاء هذه الحكومة بجانب هذا التجاهل أو "الطناش". عدم الاستماع إلي استغاثات ملايين الغلابة ومحدودي ومتوسطي الدخل وعدم الاحساس بمعاناتهم والاكتفاء بتصريحات ووعود وردية لا تنفذ ولا علاقة لها بالواقع. هذه الأخطاء أساءت للأسف إلي ما تحقق من إنجازات علي مستوي المشروعات القومية مثل شبكة الطرق بمستوي عالمي والاسكان الاجتماعي ومحور قناة السويس وبعض المجمعات الصناعية وغيرها والتي كان مشهد افتتاح كل منها يبعث البهجة والأمل في نفوس المصريين ويعيد لهم ثقتهم في قدرتهم علي التحدي ولكن هذا الأداء الحكومي ومعاناة الناس من الأزمات المتزايدة بلا حل لها كان يفسد هذه المشاعر الإيجابية ويعيدهم سريعا إلي واقعهم المزدحم بالمشاكل.. والمشكلة أن الحكومة لم تدرك أن جموع الناس يمكن أن يرحبوا بمشروعات المستقبل وبالأحلام العريضة ولكن بشرط أن يتوافر لهم يوميا الحد المعقول أو حتي الأدني من الحياة الكريمة ويمكن أيضا أن يتحملوا ظروف بلدهم الصعبة وأن يكونوا "جدعان" بلا حدود في الصبر علي الشدائد ولكن بشرط أن يكون الجميع شركاء في تحمل المعاناة حسب القدرة علي هذا التحمل وليس لمن يملك صوتا أعلي. حكومتنا للأسف أخفقت في الحالتين وآثرت أن تستمع لصوتها فقط متوهمة أن التصريحات والوعود فيها الغذاء والشفاء واختارت طريق التجاهل لكل من يكتب أو يصرخ حتي طالت قائمة "الطناش" وازدحمت بعشرات الأمثلة الصارخة التي لا تحتمل أي صبر. * قلنا. وقالها كثيرون: ارحموا الناس.. لا تتركوهم فريسة بين أنياب تجار لصوص لا يشبعون ولا يرحمون الضعيف أو "عزيز قوم ذل".. ارحمونا من تصريحات ضبط الأسواق وضعوا معيارا لمحاسبة هؤلاء اللصوص لأنه بدون تسعيرة أو هامش للربح لا يمكن لأحد محاسبة التاجر أو المنتج حتي لو رفع أسعاره عشرات المرات أو ضاعفها مرتين في اليوم الواحد أو باع المخزون بأسعار ما بعد التعويم.. وأيضا لن تستطيع أن تردع المحتكرين - وما أكثرهم وما اجرأهم علي الاستغلال دون خوف طالما أن عقوبات المخالفة ضعيفة لا يريد أحد تشديدها وأيضا لأن قانون حماية المستهلك مازال منذ شهور في "ثلاجة" البرلمان. الحكومة بالطبع لم تستجب لأحد طوال شهور طويلة ولو فعلت ذلك قبل قرار التعويم ووضعت آليات حقيقية لضبط الأسواق لكان في يدها اليوم سلاح لمواجهة جنون الأسعار.. وأبسط دليل علي "الطناش" آخر تصريح لوزير التموين الأحد الماضي الذي يقول فيه انه "يقوم بتنفيذ مجموعة من الإجراءات لضبط الأسواق ومواجهة المتلاعبين والمحتكرين وأنها تشمل حملات تفتيشية أسفرت عن ضبط 10 آلاف مخالفة في أسبوعين لعرض سلع فاسدة أو مغشوشة!!.. طيب فين المتلاعبين بالأسعار يا معالي الوزير؟!! * قلنا وقالها كثيرون.. الناس لن تتحمل أي زيادة في أسعار الأدوية وخذوا باقتراح الشركات بعدم الزيادة مقابل تحمل الحكومة بعض أعباء مدخلات الصناعة مثل الوقود وإلغاء أو تأجيل ضريبة القيمة المضافة وتخفيض الدولار الجمركي.. ولكن الحكومة تركت الملف عدة شهور لوزير الصحة ثم وافقت علي اقتراحاته برفع الأسعار بشرائح وعلي أنواع معينة لا يضمن أحد بالطبع في ظل فوضي السوق الالتزام بها حتي لا تضرب الزيادة كل الأصناف. وللأسف الأدوية تعد مجرد نموذج لاختيارات الحكومة التي بدلا من أن تخفف الأعباء علي المواطنين ترفض أن تتحمل أي دعم ولو لفترة مؤقتة أو تقبل بانخفاض بعض وارداتها لأنها مثلا في موضوع الدولار الجمركي لن تدفع شيئا ولو كانت قد استجابت لاقتراح تثبيت الجمارك علي السعر القديم أو التخفيض إلي 10 أو 12 جنيها علي كل السلع الأساسية لكانت - كما قلنا من قبل. قد تجنبت أزمات الأدوية والأسمدة والدواجن وغيرها ولما أعطت التجار الحجة لمضاعفة الأسعار بكل هذا الجنون! أيضا.. ضمن عدم الاستعداد لتوابع التعويم سواء قبله أو بعده.. تترك الحكومة قانون التأمين الصحي الشامل في "الثلاجة" رغم مطالبة الملايين بنظام تأمين آدمي يوفر فرص العلاج والدواء لجميع المواطنين حسب شرائح الدخل. وهو ما كان يساهم إذا صدر بالفعل في تخفيف أعباء أسعار الأدوية وعلاج غير القادرين مع التقدير بالطبع لقرار الحكومة الأخير بمضاعفة دعم العلاج علي نفقة الدولة ولكنه بالطبع لا يكفي. أيضا.. رغم التحفظ علي أداء د.أحمد عماد وزير الصحة فلابد من تحيته علي إثارة قضية أو فضيحة خصخصة قطاع الدواء واحدي جرائم نظام مبارك حين قال السبت الماضي: ان شركات القطاع العام كانت تشارك بنسبة من 40% إلي 60% من الاحتياجات عام 1980. أصبحت اليوم 6.2% فقط.. ولعل في انشاء مصنع للأمصال مؤخرا والعمل علي إحياء شركة النصر للصناعات الدوائية لإنتاج جزء من المواد الخام الفعالة مع المشروع القادم للقطاع الخاص بداية للصحوة المتأخرة حتي لا تفرض الشركات الخاصة شروطها وأسعارها علي ملايين المرضي. * قلنا وقال كثيرون.. الملايين من محدودي الدخل لن يتحملوا أي أعباء جديدة مهما وجهت لهم رسائل الشكر علي صبرهم.. وذلك في ظل استمرار تدليل الأغنياء وتجاهل ما طالب به حتي اتحاد المستثمرين من تطبيق الضرائب التصاعدية لتصحيح خطأ ما تم في مرحلة سابقة من تخفيض ضريبة الدخل العام وإلغاء ضريبة الثروة وتأجيل ضريبة أرباح البورصة.. وأيضا في ظل عدم مواجهة التجار الذين يجمعون الملايين من المال الحرام نتيجة مضاعفة الأسعار علي ما في مخازنهم وكذلك عدم الجدية في تحصيل حق الدولة من التهرب الضريبي وضم القطاع غير الرسمي وترشيد الانفاق الحكومي! والغريب انه بعد سنوات من انتظار تفعيل الكروت الذكية للوقود أكدت الحكومة ان الهدف منها في هذه المرحلة هو مراجعة عملية صرف الوقود ومنع تهريبه وليس كما توهمنا أن تكون وسيلة لترشيد الدعم حتي لا يحصل عليه من لديه المرسيدس أو أسطول من السيارات أو السفارات والأجانب وغيرهم وحتي لا يتساوي هؤلاء كما يحدث حاليا مع صاحب السيارة الصغيرة أو القديمة أو سائق التاكسي والميكروباص! * طالبنا حتي زهقنا وانضم لنا مؤخرا اتحاد المستثمرين برئاسة فريد خميس بترشيد الاستيراد الذي وصل في 2016 إلي 70 مليار دولار مقابل 20 مليارا فقط للصادرات وذلك علي أمل تخفيف الضغط علي الدولار حتي لا يخذلنا بتجاوزه ال20 جنيها وما بعدها ولكن الحكومة اكتفت برفع الجمارك علي مجموعة من السلع بنسبة محدودة ومنها الأصناف الكمالية التي لها بديل محلي خاصة من الخضر والفاكهة وما يطلبه المدللون الذي تزدحم به حاليا السلاسل التجارية.. والنتيجة ان البنوك تضطر لتغطية طلبات الاستيراد حتي لا تعود السوق السوداء مرة أخري ولكن النتيجة - في ظل عدم المنع النهائي ولو لفترة محدودة تسمح بها القوانين الدولية ومع رفض البنك المركزي التدخل وكأن قرار التعويم هو نهاية المطاف وليس أيضا حمايتنا من توابعه ومع عدم وجود تدفقات دولارية جديدة تتجاوز الطلب. يعيش الجميع في رعب من استمرار قفزات الدولار وانخفاض قيمة الجنيه وبالتالي تآكل ما لدي ملايين المصريين من حفنة جنيهات تلتهمها نار الأسعار! ما أكثر الأمثلة علي ما فعلته الحكومة بنا نتيجة تجاهلها لمطالب المواطنين المشروعة وهو ما جعل فضولي في ليلة رأس السنة لا يشمل ما يحلم به رئيس الوزراء لنا في 2017 لأن كل تلك المقدمات المحزنة توحي بنفس السياسات والخطوات المتوقعة بدليل أن أول تصريح له في العام الجديد كما نشرت "المصري اليوم" - الاثنين: "أن الحكومة لن تستطيع تنفيذ مطالب البعض بتحديد أسعار السلع من منابعها أو العمل بتسعيرة جبرية لأن التدخل في الأسعار سيطلق سوقا سوداء للسلع بينما تعتمد الأسواق علي الآليات الصحيحة لضبطها وتوفير السلع بأسعار مناسبة"!! الأسبوع الماضي.. تمنيت أن تحسم الحكومة أمرها وأن تثبت فعلا لا قولا انها تنحاز لجموع المصريين.. وطالما انه مع كل يوم يمر تتباعد المسافات بين الحكومة والمواطنين.. وطالما ان سوء الأداء يضيف كل يوم المزيد من الغاضبين من المزارعين مثلا الذين يؤكدون ان الزراعة - أمل مصر مع الصناعة. أصبحت عبئا يتمنون الفرار منه بسبب عدم تقدير الحكومة لجهودهم بما يخالف الدستور ولجوئها للاستيراد لحل أي أزمة هي أصلا من صنعها كما وجدنا مع الأرز والسكر والقصب والبنجر وغيرها.. والغضب من أولياء الأمور الذين يعانون من مشاكل التعليم المتراكمة ويدفعون دم قلبهم في الدروس الخصوصية وينضم أبناؤهم بعد التخرج إلي صفوف العاطلين.. ومن المرضي الذين تكويهم أسعار الأدوية أو ذل البحث عنها أو تسول سرير في مستشفي أو مركز للغسيل الكلوي رغم ان العجز الحكومي الآن ومنذ عقود من أهم أسباب اصابتهم بالأمراض المزمنة بدليل ان وزير البيئة مازال يحلم في 2017 بالقضاء علي التلوث الصناعي في النيل! مع كل هذه الحيثيات وغيرها.. قولا واحدا: مع حكومتنا الرشيدة مع التقدير لأداء بعض وزرائها. فان 15 شهرا تكفي جدا مع التأكيد ان تغيير الأشخاص ليس هو الغاية بل الأهم هو السياسات وأسلوب الأداء حتي لا تتكرر حكومة رد الفعل والتردد والبطء وعدم الاستماع للمواطنين والتناقض بين التصريحات الوردية والواقع الأليم! .. وفيها حاجة حلوة ! رغم كل هذا الاحباط والغضب العام من الحكومة مازالت في مصر العظيمة إضاءات وحاجات حلوة حتي لو كانت نادرة.. ومنها مثلا مشهد الكنيسة البطرسية بعد تجديدها في عدة أيام بإشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أو كلمة السر في لحظات البهجة التي عاشها المصريون في هذه المرحلة الصعبة.. لم يصدق الكثيرون أن هذا الجمال والحفاظ علي كل التفاصيل التراثية في مبني عمره أكثر من 100 سنة وبدرجة أفضل من الأصل يمكن أن يتحقق في هذا الزمن القياسي؟ هذا المشهد الرائع هو أقوي رسالة توجهها مصر إلي الإرهابيين ومن يحرضهم وإلي عضو الكونجرس الأمريكي الذي يجرؤ علي التدخل في شئوننا الداخلية بكل صفاقة. بأن مصر ستظل بلد السلام والبناء والتعمير لا التخريب والهدم وأن وحدتها الوطنية ستظل راسخة مهما حدث.. وأن "الأقباط" ليسوا طائفة أو أقلية بل هم منذ فجر التاريخ. كل المصريين.