خيَّمت حالة من الحزن علي محيط الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في اليوم التالي للانفجار الذي استهدف الكنيسة البطرسية مخلفاً 24 قتيلاً إلي جانب عدد من الأشلاء لم يتم التعرف علي هويتها بعد و49 مصاباً مازال منهم 21 يعالجون بالمستشفيات حتي الآن. رصدت "الجمهورية" توافد عدد من أهالي الضحايا المفقودين علي المشرحة بمستشفيات الدمرداش ودار الشفاء والزهراء الجامعي لأخذ عينات من الأهلية لإجراء تحليل الحامض النووي "DNA" وفقاً لقرار النيابة العامة لتحديد هوية الأشلاء.. سيطرت حالة من الحزن في محيط مدينة نصر أثناء تشييع جثامين الضحايا من داخل كنيسة السيدة العذراء والقديس اثناتيوس حيث اتشح الجميع مسلم ومسيحي بالسواد وارتفعت صرخات أهالي الضحايا من النساء وجيرانهم الذين توافدوا علي المكان للمشاركة في مراسم الجنازة والصلاة علي أرواحهم الطاهرة بقل أن ترقد بسلام. رصدت "الجمهورية" مشاهد مؤثرة في موقع حادث تفجير الكنيسة البطرسية المجاورة للكاتدرائية أمس الأول والذي راح ضحيته العشرات.. تلخص هذه المشاهد حجم الكارثة وروح المحبة وشهامة أولاد البلد وأن الدم المصري واحد. عروسة بلاستيكية صغيرة عثرنا عليها داخل موقع الانفجار ملطخة بالدماء كشفت عن مأساة إنسانية لطفلة دون العاشرة حضرت بها مع أسرتها ببراءة الأطفال لحضور قداس الأحد وشاء القدر أن تدفع حياتها ثمناً للإرهاب الغادر وتتحول جثتها إلي أشلاء. التقطنا قصتها من أحد المتواجدين بالمكان قال كانت الطفلة تصلي مع والدتها وعلي وجهها ابتسامة بريئة تحتضن عروستها وتقبلها بين الحين والآخر وعندما وقع التفجير طال الطفلة وعروستها ولم يبق من الاثنين سوي أشلاء والدماء تنزف من الأم ليس من الوجع فقط ولكن لفراق ابنتها التي رأتها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة. حكي لنا أحد قيادات المرور الذي كان أول الحاضرين لمكان الحادث لقربه من عمله ان شهامة أولاد البلد كانت لافتة حيث توقفت السيارات المارة أمام الكنيسة وهرع أصحابها إلي المصابين لنقلهم إلي المستشفي حتي وصلت سيارات الإسعاف وغادر أصحاب السيارات والحزن يكسو وجوههم مرددين حسبنا الله ونعم الوكيل. قطعة قماش بيضاء عليها صليب تحولت بفعل التفجير إلي اللون الأحمر حيث كساها الدم كما اكتست به أرض الكنيسة وحوائطها.. المشهد كان قاسياً علي الجميع رجال الدين المسيحي غير قادرين علي الكلام رفض معظمهم التعليق علي الحادث وقالوا أمامكم الصورة علي الطبيعة كافية أن تنقل لكم حجم المأساة. كان رجالات الدولة في مسرح الأحداث رئيس الحكومة ووزراء الداخلية والأوقاف والصحة والتضامن والتنمية المحلية ومحافظ القاهرة لا لمتابعة الحدث فقط بل لتقديم العزاء كان الحزن واضحاً علي الجميع حكومة ومواطنين.. المستشفيات كانت خلية نحل تم توفير دماء للمصابين وهرع الشباب للتبرع بدمائهم وجاد رجال الهلال الأحمر بتقديم المساعدات الطبية والدعم النفسي. نموت نموت وتحيا مصر مسلم ومسيحي إيد واحدة مهما حصلي هافضل أصلي بهذه الهتافات وغيرها ندد المواطنون الذين ترددوا علي المكان لتقديم العزاء والتضامن مع أشقائهم الأقباط.. جاء المئات من كل محافظات مصر وأشعلوا الشموع في محيط الكنيسة الكاتدرائية وانصرفوا وليس لهم سوي مطلب واحد القصاص السريع لدماء الأبرياء. * عاشت "الجمهورية" حالة من الحزن مع أقارب الضحايا خاصة مارينا وفيرونا فهيم في حين ترقد والدتهما نهلة فاروق في حالة خطيرة في مستشفي الدمرداش عقب إصابتها في الحادث لتظل وحيدة عقب رحيل الابنتين. آية عماد صديقة "فيرونا" المسلمة كتبت تنعيها بعد أن فقدت الروح التي كانت ترافقها إلي الجامعة يومياً لتقول "باكتب لك وإيديا بترتعش من الخوف والبرد شوفتي العالم يا حبيبتي في سن الشيخوخة صف كمنجات مكسورة في روح صبار.. الدنيا بتتحول من زرع البذرة لضرب النار وأنا وانتي صغار جداً علي الموت وكبار علي العيشة بدون مزيكا وأشعار. ونعت مدرسة سانت كلير رهبات الضحيتين وقدمت التعازي لوالدتهما نهلة فاروق مدرسة التربية الرياضية بالمدرسة معربة عن حزنها لفقد ابنتيها مارينا وفيرونا. نفس الموقف تكرر مع الطبيبة نيفين عماد حيث حرمها الموت من التوجه لامتحان الدبلومة صباح أمس بجامعة عين شمس لترسم الحزن في قلوب زملائها بمستشفي الشيخ زايد التي ألحقت للعمل به منذ ثلاث سنوات. * وتعد الكنيسة البطرسية واحدة من المباني التاريخية الهامة في القاهرة حيث تحمل تاريخاً يمتد إلي بداية القرن العشرين وبالتحديد عام 1911 عندما تم بناؤها علي ضريح بطرس غالي باشا حيث تولت عائلته بناءها عقب اغتياله لتكرس لاسم الرسولين بطرس وبولس وبداخلها يرقد جثمان الأمين العام للأمم المتحدة السابق بطرس بطرس غالي حيث توجد مدافن العائلة بداخلها. وصممت الكنيسة علي أربع جهات بشكل معماري فريد حيث تولي التصميم أنطون لاشك باشا مهندس السرايات الخديوية في عهد الخديو إسماعيل علي الطراز البازييليكي حيث صحن الكنيسة والذي يفصل بينه وبين الممرات مجموعة من الأعمدة تحمل لوحات فنية من ابداع الرسام الإيطالي بريمو بابتشيرولي لتمثل حياة المسيح والرسل والقديسين. وتحوي الكنيسة مجموعة من الوثائق والمخططات النادرة التي تمثل تاريخ عائلة بطرس غالي والذي يأتي كحقبة تاريخية هامة ساهمت في تشكيل السياسة العامة في مصر منذ ثورة 1919 وحتي توقيع معاهدة كامب ديفيد وربما يكون هذا سبباً لاستهدافها لاغتيال التاريخ كما تم اغتيال الرئيس السادات الذي وقَّع الاتفاقية. وتسبَّب الحادث الإرهابي في فرض حالة من الصحوة الأمنية علي جميع المباني الهامة وفي محيط السفارات وأماكن إقامة الأجانب إلي جانب المواقع التاريخية والأندية الهامة. أكدت بعض المصادر الأمنية أن الحادث أثر مؤقتاً علي الزيارات لعدد من المناطق الأثرية والتاريخية في محيط القاهرة الكبري خاصة مجمع الأديان بمصر القديمة والمتحف المصري بوسط القاهرة والحسين وشارع المعز بالقاهرة التاريخية.