في ابريل الماضي قرر مهرجان القاهرة السينمائي منح المخرج الكبير محمد خان جائزة فاتن حمامة التقديرية. بعدها بدأ الناقد السينمائي المتميز محمود عبدالشكور في إعداد كتاب عن حياة وأعمال محمد خان يصدر عن المهرجان. ولم يكن أحداً يتصور ان مخرجنا الكبير سوف يغادر الحياة الدنيا في 26 يوليه قبل موعد مهرجان القاهرة. ولكن الزميل محمود عبدالشكور استكمل كتابه القيم وصدر بالفعل مع المهرجان قبل أيام. الحديث عن محمد خان هو حديث عن أجمل لحظات السينما المصرية في الفترة ما بين 1980 و2016. وهي السنوات التي شهدت إبداع خان لأفلامه منذ "ضربة شمس" وحتي "قبل زحمة الصيف" رحلة قال عنها الناقد محمودعبدالشكور: "سينما ومسيرة محمد خان تقدم دروساً كثيرة علي مستوي الكتابة والاخراج. ولكن درسها الأهم هو انه بدون عشق الأفلام. لن تستطيع أن تتحمل مشقة صنع وانتاج الأفلام. ومن دون أن تبذل كل جهد في خدمة من تحب. فإنك لن تستطيع الادعاء بأنك من العاشقين". يضع محمود عبدالشكور في كتاب "البحث عن فارس" كل خبرته كناقد سينمائي في الفصل المعنون "مفاتيح عالم محمد خان" واستطاع في 37 صفحة أن يجازف علي حد تعبيره ويقدم اجتهاده الخاص لتحديد ملامح ومفاتيح عالم محمد خان السينمائي من حيث المضمون والشكل. وأول مفاتيح خان أن أفلامه بالدرجة الأولي "أفلام شخصيات بامتياز". فهي مثل البورتريهات الشخصية وهذا البورتريه هو هدف الفيلم بأكمله. بالتالي فإن المواقف الدرامية للشخصية ليست سوي ضربات فرشاة في رسم ذلك البورتريه. ونقطة الجاذبية والصعوبة في ذات الوقت في أن الشخصية تكتمل بالتدريج. وليست مرة واحدة والشخصيات المحيطة لا تقل ثراء عن الشخصية الرئيسية. ويري محمود عبدالشكور ان من ملامح سينما محمد خان هو شكل الرحلة. وقد تكون عملية انتقال وتحول من حال إلي حال مما يتطلب جهداً ومشقة تشبه مشقة السفر والترحال من مكان لمكان ويكون هدف الرحلة في معظم الأحوال هو التحرر والميلاد الجديد عبر اكتشاف الذات والآخر. مثل فيلم "الحريف" مع النجم عادل إمام عام 1983. نجد رحلة مستمرة بين الملاعب والساحات والشوارع للاعب الكرة الشراب فارس. كما نتابع رحلة تحول شاقة بترك ورشة الأحذية التي يعمل بها واتجاهه إلي عالم البيزنس الغامض بالنسبه له وفي المباراة النهائية يتحرر من الماضي كله ويقول لابنه : "زمن اللعب راح يا بكر" وهو أمر لا يمكن الجزم به أبداً. كذلك من أبرز ملامح سينما محمد خان العلاقة الوطيدة بين الإنسان والمكان مثل فيلم "زوجة رجل مهم" تبدو شقة الزوجية بممراتها الضيقة ترجمة للظروف التي تعيشها مني "ميرفت أمين" مع زوجها الضابط هشام "أحمد زكي" والتي ستنتهي إلي انفجار مروع بعد أن أطلق الضابط النار علي حماه ثم انتحر في النهاية. في إحدي لقطات فيلم "فتاة المصنع" تقف هيام "ياسمين رئيس" في البلكونة وهي ترتدي فستان زفاف أمها. لكن تظهر بجانبها سلة الثوم. هي في حلم رومانسي وحزمة الثوم تمثل واقعها الذي يخترق الحلم ويتناقض معه. وهي تتخيل فروسية لا وجود لها عند المهندس صلاح "هاني عادل" الواقع يهزم الحلم هذا هو معني لقطة البلكونة ومعني الفيلم أيضاً. كذلك يهتم محمد خان في أفلامه بالتفاصيل مثل الواقعية الإيطالية. ومنذ أن قال كاتب السيناريو الإيطالي زفاتيني: ان كل قصة في الحياة تصلح أن تكون فيلماً. والتفاصيل هي التي تجيب علي السؤال: كيف نفعل ذلك علي الشاشة؟. كذلك تلعب المرأة دوراً محورياً في أفلام محمد خان وهي في قلب الدراما دائماً وفي بؤرة الأحداث وهو يتعاطف معها ومع أحلامها في الحب والسعادة ويؤكد محمود عبدالشكور ان سينما محمد خان تعتمد في بناء المشهد علي 3 عناصر الصورة والمونتاج وشريط الصوت بما يحقق ثراء للصورة وفي التكوينات واقتصاد واضح في الحوار.