احتكار. فساد وتلاعب هذا هو حال السوق المصري في ظل انعدام الرقابة وضعف القوانين التي سمحت لعدد محدود من المحتكرين بالاستحواذ علي السوق واحتكار السلع الاستراتيجية والتلاعب في أسعارها. وتشير المعلومات لقائمة المحتكرين في عهد الرئيس مبارك بداية من رجل البيزنس الأول في البترول وتعاقدات الغاز المشبوهة مع إسرائيل حيث بدأت فكرة السوق الشرق أوسطية في مجال البترول والغاز الطبيعي والتطبيع الذي كان من أهم بنود معاهدة السلام بين البلدين والشراكة في التسعينيات بينه وبين أشهر رجل أعمال إسرائيلي في مجال البترول من خلال مشروع "ميدور" لتكرير البترول ثم احتكار الحديد الذي اعتمد علي العلاقات السياسية مع رموز الحكم حتي استحوذ علي النصيب الأكبر من شركة الإسكندرية للحديد والصلب "الدخيلة". والثالث في نشاط البيزنس الزراعي المستورد الوحيد للبذور والتقاوي لسنوات طويلة ويدخل في القائمة أيضا الوزير السابق الذي احتكر نشاط الأسمدة الذي يعتبر من أهم الأنشطة التي تمس الشعب المصري وتسبب في ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه والمواد الغذائية. يقول الدكتور شريف حسن قاسم رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات إن الاحتكار ظهر منذ السبعينيات متزامناً مع سياسة الانفتاح الاقتصادي عندما أصدر الرئيس السادات قراره بانسحاب الدولة من الأسواق بعد أن كانت هي المحتكر الوحيد أصبحت الساحة خالية أمام وكلاء القطاع الخاص فحلوا محل الدولة بعلاقاتهم ونفوذهم وهذا يتضح جداً في أسواق المواد الغذائية كالألبان ومشتقاتها واللحوم وهناك أسواق ليس لي علاقة بالسياسة كتجار والذين تتوافر بينهم روح المنافسة الاحتكارية حيث يتفقون فيما بينهم علي المستهلك ويعد هذا أخطر أنواع الاحتكارات. ويأتي بعد ذلك محتكرون ظهروا نتيجة زواج المال بالسياسة وأبرز ذلك ما تم في صناعة الحديد التي فرض جمال مبارك صاحبها علي الساحة السياسية من خلال ما يسمي بأمانة السياسات مما ساعده في الوصول إلي ما وصل إليه الآن من احتكار لصناعة الحديد وخصوصاً خام "البلليت" حيث أصبح يستحوذ علي أكثر من 65% من شركة الدخيلة ومحتكراً للحديد المسلح. ويضيف قاسم أن من أهم الأسباب التي تجعل الاحتكار يسود قيام الدولة بوضع القوانين التي تحظر تدخلها في التسعير وعدم وضع هامش ربح ولعل أهمها قانون الاستثمار الذي يعتمد بشكل كبير علي المستثمر الأجنبي وإعطائه كمزايا كثيرة علي حساب المستثمر المصري لذا فالحديث عن ضبط الأسعار استهلاكي لا معني له إلا بتعديل القوانين. ويؤكد ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل أن الاحتكار أكبر خطر يهدد الدولة المصرية وأكبر عائق لأي خطوة يخطوها الرئيس حيث ان كل الإصلاحات الاقتصادية تسير بمبدأ "السوق عاوز كده" وأن من أهم مبادئ الاقتصاد الحر هو عدم تدخل الدولة في تحديد هامش ربح أن المتابع لأحوال الاقتصاد المصري حالياً سوف يصاب بالصدمة من هذا الكم الكبير من المحتكرين الذين يستحوذون علي السوق وحصدوا من وراء ذلك ثروات طائلة خاصة بعد بدء عمليات الخصخصة في بداية التسعينيات مع حكومة عاطف عبيد وتوسعت علي استحياء مع حكومة أحمد نظيف حيث توحش زواج المال بالسياسة وبالسلطة التشريعية والتنفيذية وبالتالي ينتج عن ذلك ظهور ما يسمي بالرأسمالية المتوحشة. مضيفاً أن الحكومة الحالية بها العديد من التناقضات ففي الوقت الذي تطبق النظام الاقتصاد الحر تترك الاحتكار يهدد نظامها الاقتصادي بلا ضوابط. ويشير "صلاح الطحاوي" أستاذ القانون الدولي والمحكم بوزارة العدل والمحامي بالنقض إلي أن أهم أسباب الاحتكار هو ضعف الرقابة علي هولاء التجار المحتكرين لأهم السلع بالأسواق ومنعها عن المواطنين حتي يرفع سعرها نظراً لارتفاع الدولار وتعويم الجنيه وكل تاجر علي كل ما يشاء. مضيفاً أن عدم تفعيل قوانين الرقابة التموينية علي السلع وعدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق بعض التجار والتي تسقط بعد فترة طبقاً للمادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص علي أن عقوبة الاحتكار خمس سنوات جنح وعشر للجنايات وتسقط تلك الأحكام بمرور ثلاث سنوات دون تنفيذها وتنقضي الدعوي الجنائية ومن هنا يفلتون من العقاب الأمر الذي يساعدهم علي زيادة جشعهم. ويطالب الطحاوي مجلس النواب بإلغاء تلك النصوص حتي لا تنقضي ولا تسقط العقوبة لأن هذه المادة أصبحت وسيلة للإفلات من العقاب وبالتالي يزداد الاحتكار ومنع السلع عن المواطنين. كما يجب سن تشريعات وقوانين رادعة في جرائم التموين واحتكار السلع ويتم تفعيلها بشكل كبير لردع التجار محتكري السلع. وعلي الحكومة عمل تسعيرة استرشادية لجميع السلع الموجودة بالسوق وعلي المواطنين مساندة الحكومة والإبلاغ الفوري عمن يخالف ذلك. ويضيف "خالد الخونكي" محام بالنقض أن الاحتكار مجرم في قانون العقوبات تصل عقوبته إلي حد الغرامة والحبس حسب طبيعة السلعة المضبوطة وسعرها فالاحتكار سبب رئيسي في الأزمات التي تمر بها البلاد. مشيراً إلي أن السبب وراء انتشار الاحتكار هو فساد الأخلاق بالاضافة إلي عدم وجود قوانين رادعة. لذلك يجب سن قوانين جديدة تجرم الاحتكار بصورة رادعة مع فرض التسعيرة الجبرية علي كل تاجر ويتم عمل لائحة تشمل أسعار جميع السلع حتي لا يستغل المواطن بالاضافة إلي تنشيط دور وزارة التموين في مراقبة الأسواق وإصدار العقوبات الرادعة لمن يخالف ذلك. ويشير "عثمان أحمد عثمان" محام بالنقض إلي أن الاحتكار أزمة ضمير ساهم في ازدهارها عدم تفعيل الرقابة علي المحتكرين وعدم تطبيق القوانين علي حيتان الأسواق وإنما تطبق علي التاجر البسيط مطالباً بتفعيل دور الهيئات الرقابية المتمثلة في المجتمع المدني والحكومة وتكثيف الحملات علي الأسواق للقضاء علي الاحتكار والفساد.