* هل أصبح نجيب محفوظ خصما لبعض نواب مجلس النواب بعد موته بسنوات طويلة؟ وهل يكافئ هؤلاء الأعضاء الأديب الذي رفع اسم بلده وحصل للعرب جميعا علي اعتراف عالمي بالرواية العربية من خلال جائزة نوبل ومبيعات أعماله المترجمة إلي لغات عديدة بالهجوم عليه؟ وهل نصدق أن واحدا من النواب قال إن محفوظ يستحق العقاب بسبب "قصر الشوق" و"السكرية" وما جاء في الفيلمين من عبارات خادشة للحياء! وهل علينا أن نصدق أيضا أن اللجنة التي تناقش مادة ¢خدش الحياء¢ في مجلس النواب قررت معاملة محتوي الأفلام. وغالبا المسلسلات. باعتبارها أحداثا حقيقية تدور في الواقع وليست قصصا افتراضية مأخوذة من الحياة ولكنها نتاج خبرات الكاتب وتجاربه؟.. أي أن نجيب محفوظ كتب رواياته من واقع معيشته ومعايشته للواقع في زمنه وفي بيئته. وقدرته علي التقاط القوانين التي تحكم سلوك أبطاله سواء القوانين الاجتماعية المتوارثة أو نظام الحياة السائد وصراعات القوي فيه. والقيم المؤثرة علي الناس في وقتها. ولولا ابداعات هذا الكاتب العبقري وغيره من الأدباء الصادقين لضاع جزء كبير من مسيرة الحياة الاجتماعية في مصر وصورة الأسرة المصرية بكل ما فيها من خطوط وجمال وقبح وتضحيات وأنانية كل هذا تجاهله اعضاء المجلس الموقر وتوقفوا فقط عند عبارات جاءت في فيلمين مأخوذين عن روايتين له. مع انه ليس مسئولا عن كتابة السيناريو والحوار للفيلمين. وله مقولة شهيرة لكل من يسأله في وهي ¢انني مسئول عما كتبته في رواياتي أما الأفلام المأخوذة عنها فهي مسئولية المخرج¢ ولو عاش نجيب محفوظ إلي اليوم لأدرك أن حالة سوء الفهم أو عدم الفهم لكتاباته والتي كانت سببا في محاولة اغتياله. لم تزل موجودة ولكن باغتيال من نوع آخر من خلال هذا التصريح من عضو مجلس النواب الحالي. عن التفتيش داخل الأفلام * في أصل القصة. ان لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بالمجلس شهدت مشادة كلامية بين فريقين من النواب خلال مناقشة مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر عام 1937 والخاص بقضايا النشر والمواد الخاصة بخدش الحياء العام. وأن النائب أبو المعاطي مصطفي الذي انتمي لأحد الفريقين قال أثناء المناقشة ان السكرية وقصر الشوق فيهما خدش حياء.. ونجيب محفوظ يستحق العقاب بس محدش وقتها حرك الدعوة الجنائية هذا ما قاله النائب. الذي ينطبق كلامه - بهذا المنطق - علي كل أدباء مصر والعالم. طالما أنه لا يفرق بين الخيال والواقع الافتراضي ممثلا في الرواية وبين الواقع ممثلا فيما يحدث في الشارع. وبهذا المعني فمن الممكن أن يطالب نائب آخر. بالقبض علي رئيس التحرير الذي ارتكب جريمة في رواية "اللص والكلاب" طالما انه يخلط بين الشخصيات داخل العمل الروائي والسينمائي. والناس الحقيقيون. ومن الممكن أن يخرج علينا نائب ثالث مطالبا بإعدام فيلم "الحرام" لأنه فيه تحرش وخدش حياء من ناظر العزبة ومساعده تجاه الفلاحة الشقيانة التي تذهب مع الأنفار. ويحشر الجميع في سيارات نقل يتجاور فيها الرجال مع النساء. وسيقول حضرة النائب إن احدا لم يحرك الدعوة الجنائية وقتها ضد الكاتب يوسف ادريس والممثلة فاتن حمامة والمخرج بركات. وحيث قال النائب أبو المعاطي ايضا إن مخرجي قصر الشوق والسكرية ايضا يستحقان المحاكمة وليس محفوظ وحده! وفي حلقة "العاشرة مساء" علي قناة دريم مساء الاثنين الماضي وبعد حوار ساخن قاده وائل الإبراشي وشارك فيه المخرج مجدي أحمد علي والناقد طارق الشناوي وعضوتان من مجلس النواب. كان من الواضح أن عددا لا بأس به من أعضاء المجلس لديهم قناعة ضد الفن. والسينما تحديدا. وقد تداخل اثنان منهم مع البرنامج وبدت هذه الآراء متفقة مع نظرية النائب أبو المعاطي. وهو ما ذكرني ببعض النواب في زمن الإخوان. ومنهم نائب سلفي شهير ظهر في نفس البرنامج. ليطعن في نجيب محفوظ وأعماله ويتهمه بتهم عديدة وهو ما أثار غضبا لدي الكتاب والمثقفين والرأي العام. واليوم انتهي حكم الاخوان. لكن نجيب محفوظ مازال متهما من آخرين من النواب. ومازال الابداع والفن يحتاجان لعقاب في رأيهم بدون إدراك أن العمل الأدبي والفني يخضع لقوانين أخري وأمام قضاة آخرين هم النقاد والباحثون. وأن الرواية والفيلم والمسرحية واللوحة هي وسائل للتعبير عن الحياة الإنسانية. يبدعها كتاب وفنانون من خلال خبراتهم وثقافتهم ورؤاهم فيقدمون إلينا عوالم افتراضية تضيف إلينا وتدعونا إلي الحق والخير والجمال. وبالتالي لا يمكن تطبيق قوانين الواقع علي هذا الانتاج الفني.. ومن الملفت هنا ان نائبا خامسا هو خالد يوسف الذي تداخل معه البرنامج ايضا. قال إن هناك حكما من المحكمة الإدارية العليا ومن القضاء الإداري بإقرار اعتبار حرية التعبير حرية سابقة علي كل الدساتير التي جاءت بعدها. وبالتالي فإن حرية الابداع هي جزء من حرية التعبير وفقا لهذا الحكم.. لكن هل يمكن للبعض من النواب أن يتذكر أن عمله الأول هو مناقشة هموم الواقع. المكدسة. في مجتمعنا بدلا من البحث عنها ضمن أفلام محفوظ القديمة. في وداع مهرجان القاهرة السينمائي * بعد أيام قليلة حافلة بابداعات العالم السينمائية انتهت دورة مهرجان القاهرة السينمائي بتوزيع جوائز كل مسابقاته في دار الأوبرا. وبدأ الكلام عن التقييم والاسئلة حول مزايا واخفاقات الدورة رقم 38 وفي العادة لا يتحمس السائلون كثيرا للمزايا ويفضلون عليها العيوب.. بل ان البعض كتب يهاجم المهرجان بعد الافتتاح.. ولكن هؤلاء الذين حرصوا علي الذهاب للمهرجان من أجل السينما الجميلة. والمختلفة. خاصة في المسابقة الرسمية للمهرجان التي جاء نصف أفلامها من دول تشبهنا كثيرا في واقعها وتحديات الحياة فيها مثل جورجيا وكوسوفو وموزمبيق والهند وبولندا. بينما جاءت الأفلام السوبر من خلال قسم آخر هو مهرجان المهرجانات الذي رأينا من خلاله هذه الأعمال التي حصلت علي جوائز المهرجانات الدولية الكبري في العالم هذا العام. وهي أعمال مستحيل أن يراها أحدنا إلا لو استطاع السفر لبرلين وكان وفينسيا وغيرها من المهرجانات.. ومن المهم هنا ذكر هذه العلاقة الجديدة بين محبي السينما المصريين وبين السينما الصينية من خلال هذه الدورة سواء في البرنامج المخصص لتكريم هذه السينما أو ذلك الفيلم الرائع داخل المسابقة الرسمية "البحث عن شخص للحديث معه" أيضا كانت بعض أفلام المهرجان الوثائقية تقدم صفحات هامة من تاريخنا مثل فيلم المخرج المصري الفرنسي هشام عبد الخالق قصة "فن الباليه في مصر" وفيلم المخرجة الأمريكية ميشيل جولدمان "جمهورية ناصر" وغير أفلام التكريمات وبرنامج عن السينما المصرية الجديدة لأفلام 2015 و2016. كانت هناك ثلاثة برامج موازية. واحد للسينما العربية الجديدة برعاية نقابة السينمائيين والثاني لطلبة وخريجي معاهد السينما في العالم برعاية معهد السينما المصري والثالث يرعاه اتحاد نقاد السينما المصريين إلي جانب الندوات.. وبعد كل هذا كنا نلهث في محاولة لرؤية بعض مما أردنا أن نراه غير الصعوبة الشديدة كانت في حل مشكلة أن تختار بين فيلمين أو أربعة تعرض في نفس التوقيت. وأن تكتشف أن القاعات ممتلئة عدا المسرح الكبير في بعض أفلام المسابقة. وأن جمهور الصباح أقل من الظهر والمساء وهذا أمر يحتاج لجهد مختلف من إدارة المهرجان في جذب فئات أخري إليه لديها وقت كاف صباحا مثل أرباب البيوت وأصحاب المعاشات كما يحدث في مهرجانات أخري في أوروبا. وهناك ايضا التجربة الجديدة في حجز التذاكر الكترونيا. ومن خلال مكتب شركة متخصصة ولكنه حجز في نفس اليوم للأسف. وليس لأيام أخري أو للعروض كلها كما نري في مهرجانات أخري.. هناك أخيرا ندوات الافلام التي شهدت هذا العام حضور عدد كبير من مخرجي العالم والذين لا يعرفهم عشاق الفرجة علي النجوم فقط.. والفارق كبير.. فبدون مخرج أو مخرجة الفيلم لن نستطيع مناقشته أما بدون النجم فأنت تستطيع ولكنك قد تعجز عن التقاط صور جذابة علي البساط الأحمر - رد كاربت - تصنع منها حكايات وحكايات.. والبركة في رجال الأعمال الذين لا يهمهم دعم السينما ومهرجانها الكبير.. أخيرا فإن الحديث عن انتظام العروض بالثانية وانتظام المطبوعات هو أمر بديهي في مهرجان كبير كان يجب أن يستمر لمدة أطول.