في التاريخ هناك معارك فاصلة تصنع التاريخ. وبها تعنون المراحل والتحولات في الحياة. هي معارك فارقة لما بعدها وما قبلها.. هذه المعارك تصنعها عزائم حديدية وروح تواقة للتغيير وخلق الواقع. وليس ذلك فقط. ولكنها تحدد ملامح ذلك الواقع الجديد الذي هو المستقبل الذي تريده وترضاه ولا ترضي عنه بديلاً.. صناعة الأمجاد والمستقبل هي صناعة الرجال الأبطال الذين يتميزون بروح القوة والعزم الذي لا يلين. والذين لا يعرف اليأس إلي قلوبهم طريقاً مثل هذه النوعية من الرجال هم ما نريدهم اليوم بشدة. رجال قد خلقوا من أجل مواجهة التحديات ويتلذذون بقهر المستحيل واختراقه وذلك هو جل هدفهم.. هؤلاء هم بناة الحضارات. وهم صانعو الأمجاد وهم المادة التي بها يكتب التاريخ وتثري فصوله وأبوابه بالخبرات والعبر والتجارب والأعراف والتقاليد التي تميز شعباً عن شعب وتفسر لماذا استطاع أن يقوم بما قام به.. لقد كانت معركة أكتوبر إحدي المعارك التي تدخل في دائرة الخوارق والمعجزات. بل إنها قد كانت في حد ذاتها معجزة عسكرية بكل المقاييس معركة ردت للمصريين والأمة العربية كرامتها الجريحة وقد كانت دليلاً قوياً علي مدي عراقة وقوة الحضارة العربية والمصرية وحققت انتصاراً ساحقاً علي الخضارة العبرية التي تحاول النيل منها وهدمها.. ذلك هو المغزي الحقيقي لهذه المعركة التي أثبتت أن القوة الحقيقية للأمم والشعوب تكمن فيها أي في طبيعتها وفي سماتها وخصائصها الذاتية وفي ذلك الرصيد الهائل من الحضارة والخبرة التاريخية التي تحملها في داخلها والتي تستدعيها في وقت الأزمات ووقت مواجهة التحديات فتستهين إرادتها وعزيمتها وتجعلها تثور علي ذلك الواقع وتغيره وتبدله.. لقد كانت معركة عين جالوت من المعارك الفارقة والمعجزة التي مازالت تقف أمامها العقول في حيرة ولا تجد لها تفسيراً منطقياً.. إذ كيف لذلك الجيش الدهري التتاري البربري الذي اجتاح كل الأمم والشعوب وصار رعباً وبعد كل ما فعله في الخلافة العباسية أن يدحر علي يد ذلك الشاب قطز في تلك البقعة وينقطع دابره للأبد ولم نعد نسمع عنه.. إنها إرادة الشعوب التي يوجد فيها ذلك المخزون من القوة والإصرار الذي يصل إلي حد القوة الخارقة.. المعركة الثانية هي معركة حطين. التي انتصر فيها صلاح الدين علي خيرة جيوش أوروبا ورجعت بعد هذه المعركة وهي تجر ذيول الهزيمة.. المعركة الثالثة هي معركة أكتوبر التي تحطمت فيها أسطورة الجيش الذي لا يقهر وخط بارليف الذي يعد أقوي مانع حصين في التاريخ تحت أقدام المصريين في ست ساعات وقد شهد العالم كله بهذه المعجزة التي أذهلت العالم وحيرت عقول الخبراء العسكريين لما حدث وقد شهد العدو أن المصريين كانوا بمثابة أشباح لم يهابوا شيئاً وكانوا يحاربون ويقاتلون بشراسة مازالت ترتعد منها فرائصهم حتي يومنا. فقد شكلت حرب أكتوبر في أذهانهم خبرة مريرة وتجربة مؤلمة.. تلك هي الروح والإرادة التي توجد في نفس الشعب الذي قهر المستحيل والتي نحن أحوج ما نكون إليها الآن.. إننا في ذكري هذه الانتصارات الرائعة علينا أن نشحذ إرادتنا وعزيمتنا لنواجه تحدياتنا وأزماتنا وأعداءنا بنفس الروح الخلاقة والقادرة التي لا تعترف بالمستحيل ولديها إيمان قوي بالقدرة علي تغيير الواقع إلي ما هو أفضل.