لقد أتي علي مصر الكنانة حين من الدهر.. وهي تكتم آلامها وأوجاعها.. من سوس ينخر في عظامها.. ذالكم هو سوس الفساد الذي كاد يأتي علي الاخضر واليابس.. ويحول رائعة النهار إلي ظلام دامس.. ولقد وجد الفساد تربته الخصبة في أرض انتشر في ربوعها وعربد في أرجائها.. أهل الشقاق والنفاق وسوء الاخلاق.. الذين غابت ضمائرهم وعميت بصائرهم.. وجهلوا أو تجاهلوا أن الاخلاق هي أهم الدعائم التي يرتكز اليها بنيان الأمة.. أية أمة.. إنه إذا ضعفت أو توارت الاخلاق.. برز علي الساحة أهل الشقاق والنفاق.. وهامت غربان الشؤم في كل الآفاق.. وأختل توازن شعب طيب الاعراق.. ذلك أنه إنما الأمم الاخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا وإن أمة ابتليت في أخلاقها.. لهي أمة لا تستحق وجودها.. وكأنما هي قد قضت نحبها.. يصدق فيها قول الشاعر: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا وأن أي مكان وأية بلدان أو حتي أي وطن من الاوطان لا يعمر.. ولا يستقل فيه العمران.. إلا إذا توافرت الأخلاق في من يقتنه من السكان. فليس بعامر بنيان قوم.. إذا أخلاقهم كانت خرابا وفضلا عن ذلك فانه إذا كان العلم هو قاطرة الحضارة أية حضارة فان العلم يتحول من أداة بناء وتعمير إلي معول هدم وتدمير.. إذا كان غير مصحوب بالخلق المشرق المنير.. ذلك ما عبر عنه شاعرنا الكبير.. في حديث مصر عن نفسها وهي تخاطب بنيها: أقيموا دولتي علي العلم والاخلاق.. فالعام وحده ليس يجدي كما أن العلم لا يرقي بالانسان.. إذا لم يكن نقي المظهر والجوهر صالح العمل سليم الوجدان.. ذلك "أن العلم لا يفتح عيني السفيه علي الخير.. بقدر ما يزيده إمعاناً في الشر".. فلا نفع العلم دون مكارم الاخلاق. ولا تحسبن العلم ينفع وحده.. مالم يتوج ربه بخلاق وقبل هذا كله وبعده فإن الاخلاق هي جوهر وصميم رسالة الاسلام. ذلك قول رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "إنما بعثت لأتتم مكارم الاخلاق". وأن الله سبحانه وتعالي حين زكي رسوله وأثني عليه.. لم يصفه بالصدق أو الأمانة أو العلم أو الحكمة وفصل الخطاب.. وكل ذلك فيه.. وإنما أثني عليه وخاطبه.. و"وإنك لعلي خلق عظيم".. وحين أذن الله لمصر بالخير.. أن يزيل الغمة عن الأمة.. اندلعت ثورة الشعب المجيدة متدثرة بدثار مكارم الاخلاق.. ملتزمة بالقيم السلوكية الراقية.. ومترجمة للمباديء الاخلاقية السامية.. التي تجلت في أبهي صورها مع أدبيات التجمع الجماهيري الضخم في كافة الميادين.. يسوده الحب والمودة والتعاطف.. والتعاون التراحم والتآلف.. والمروءة والشهامة والإيثار وإنكار الذات والتعاطف.. وكأن الملايين عائلة واحدة.. يحنو منهم الكبير علي الصغير.. والصغير منهم يوقر الكبير.. ويؤثر كل واحد منهم غيره علي نفسه بشربة الماء أو كسرة الغذاء.. في سيمفونية حب ومودة وإخاء.. استرعت وأثارت انبهار البشرية جمعاء. وكان حتما مقضيا مع أخلاقيات الثورة وأدبياتها.. أن يتواري عن ساحة الوطن إلي غير رجعة.. صانعو الفساد الذين عاثوا شرورا في ربوع البلاد.. أن يتواري أهل الشقاق والنفاق وسوء الاخلاق. إلا أنه.. وعلي خلاف المتوقع والمأمول.. وبعد أن ابتهجنا بشروق شمس الثورة.. أصبحنا نخاف عليها من الأقول إذا شهدت ساحة الوطن وتشهد حالة من انفلات الاخلاق.. تحار حيالها الافهام والعقول.. وبعد أن وقف الخلق ينظرون جميعا أدبيات الثورة ونقاءها وأخلاقياتها.. إذ بهم اليوم مذهولون مندهشون من انهيار الاخلاق وانفلاتها..!! ولقد كان من توابع زلزال الانهيار الاخلاقي.. الانفلات الاعلامي.. إذا انصرفت بعض وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة و"الالكترونية" إلي الإثارة والتهييج.. والاسفاف والابتذال والتهريج.. إلي الاساءة إلي الشرف.. وتحفيز الصغار للتطاول علي الكبار.. واستقطاب واستنطاق واستنفر محترفي الكلام المسف ؟.. والجدل المتجاوز العقيم .. كما كان من توابع زلزال الانفلات الاخلاقي.. الانفلات السلوكي.. فمع غياب الشهامة والمروءة والنخوة والرجولة اجتاح الشذوذ والانحراف مع الخسة والندالة.. شراذم من البشر من المحوبين ظلماً علي الشباب.. وهم في الحقيقة أسوأ حالاً من الذئاب.. فقد أعملوا في جسد المجتمع الظفر والمخلب والناب.. فضلوا وأضلوا وتقطعت بهم الاسباب.. عاثوا في الأرض فساداً واحترفوا التدمير والخراب.. واستمرأوا الترويع والاجرام والإرهاب.. حتي إذا ضاق عليهم الخناق.. وطاردتهم اللعنات وصاروا من شذاذ الآفاق.. لجأوا إلي أحط وأحقر السلوكيات.. هادفين إلي خدش حياء الأمة ومحاولة تعكير البهجة وسرقة البسمة.. مع الرغبة المريضة في الاساءة إلي المرأة المصرية التي أبهرت الدنيا بروعة أدائها. وشموخ عطائها وعمق وطنيتها وتميز انتمائها وولائها.. ولكن طاش سهم هذه الذئاب المسعورة.. والوحوش الضاربة المذعورة.. وتبت لأيادي النجة المأجورة.. حين رصدتهم العيون الساهرة وشلت حركتهم الشرطة الأمينة الماهرة. وانتفض الشعب عن بكرة أبيه مستنكراً الجريمة والمجرمين.. مستبرئا من المنحرفين الفاسقين والبغاة والإرهابيين.. شذاذ الآفاق.. إخوان الشياطين. وصفوة القول أن الانفلات الاخلاقي.. وتوابعه من مثل الانفلات السلوكي والإعلامي.. ذلك كله إنما مرجعه إلي غياب التربية الدينية الصحيحة وشيوع الأمية الدينية والأخلاقية والوطنية.. ومسئولية ذلك إنما تقع علي عاتق المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والشبابية.. ولو أن تلك المؤسسات أدت رسالتها الوطنية كما ينبغي لما عانت مصر من الشذوذ والانحراف والاجرام.. ولاختفت من سماء مصر خفافيش الظلام.. ولتطهرت أرضها من شياطين الأنس أصحاب الرجس.. مرضي القلوب والعقول.. الخونة اللئام.. فالتربية الدينية الصحيحة هي السياج الذي يحمي الوطن والمواطنين.. ويغلق الباب في وجه المفسدين في الارض.. من الشواذ المنحرفين والمجرمين والارهابيين.. ومع التربية الدينية تزدهر أمة مكارم الاخلاق.. وتندحر وتختفي شراذم ؟ الآفاق من دعاة التطرف والإرهاب وأهل الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق.