منذ أسبوع واحد فقط. كتبت مقالاً قلت فيه إن سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فشلت بعد أن واجهت رفضاً من الأعداء والحلفاء ورصدت في المقال ثلاثة تحولات مهمة في سياسة الرئيس التركي تمثلت في المصالحة مع إسرائيل والاعتذار لروسيا عن إسقاط قاذفة القنابل من طراز سوخوي. وأخيراً حدوث بعض التغيير في موقف أردوغان من الإرهاب بعد التفجيرات التي ضربت اسطنبولوجدة والمدينة المنورة. لكن يبدو أن هذه التغييرات لم ترض سادة المنطقة الجدد هؤلاء السادة الذين لا يرضيهم أن يرفع أحد في المنطقة رأسه ولا يرضيهم أن ينهض دولة إسلامية ترفع صوتها من أجل الغلابة والمستضعفين فأرادوا تأديب أردوغان وكل من تسول له نفسه أن يحذو حذوه. لم أكن أعرف أن سياسة أردوغان تركت كل هذه الجراح العميقة في الداخل والخارج إلا عندما وقعت محاولة الانقلاب الفاشلة يوم 15 من الشهر الجاري وشوهت صورة ووجه هذا البلد الجميل الناهض ليأخذ مكانه بين الكبار. ولاشك أن هذه المحاولة كشفت عن حجم المعارضة لسياسة أردوغان وحجم الانقسام داخل المجتمع التركي. لقد جاءت محاولة الانقلاب بصرف النظر عن نتائجها لتقول لأردوغان: "كفي.. الزم حدودك". ولعل الرئيس التركي يدرك الآن أن سياسته الصدامية والمتعنتة لم تشكل عبئاً علي المنطقة وحسب وإنما تجر تركيا نفسها صوب المجهول وتضع كل إنجازات الشعب التركي في مهب الريح. انحاز أردوغان إلي الثورة السورية فدمر سوريا وشرد أبناءها وتدفقت الملايين من داخل سوريا إلي الأراضي التركية واللبنانية والأردنية وأراد أردوغان أن يستخدم المهاجرين كورقة لابتزاز أوروبا فانقلبت عليه واستدعي روسيا فألبت عليه الأكراد وفرضت عليه عقوبات اقتصادية ومنعت السياح الروس من التوجه إلي تركيا حتي قيل إن إسقاط الطائرة الروسية كلف تركيا 40 مليار دولار بالإضافة إلي ذلك شهدت تركيا انفجارات وعمليات إرهابية لينتهي الأمر بمحاولة انقلاب تبدو فاشلة حتي الآن لكن ليس هذا هو المهم فالأمر الذي لا شك فيه أن الانقلاب وتوابعه سيحدث هزة عميقة وزلزالاً اجتماعياً وسياسياً لن تبرأ منه تركيا إلا بعد فترة طويلة. لقد كشف الانقلاب عن حجم المعارضة الواسع لسياسات أردوغان في الداخل والخارج وليس صحيحاً أن الانقلاب نفذته شرذمة في الجيش تدين بالولاء لمعارض أردوغان الأول فتح الله جولن فقد امتد السخط علي أردوغان إلي صفوف القضاء والشرطة وبعض المدارس العسكرية التركية والرتب العسكرية الكبيرة وطبقاً للبيانات الرسمية فقد جري حتي كتابة هذه السطور اعتقال 7 آلاف شخص قادة عسكريين كبار.