في خطابه بمناسبة عيد تحرير سيناء يوم 25 أبريل.. طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي من الحكومة. حماية محدودي الدخل من تقلبات سعر الدولار. بزيادة نسبة الدعم الذي يصرفه أصحاب البطاقات التموينية. بما يؤكد ادراكه لمعاناة هذه الفئة من المواطنين الذين يحتاجون دوماً - حسب تعبيره. الي من يحنو عليهم. المشكلة أن هناك فئة أخري تعرضت للنسيان والتجاهل من كل برامج الحكومات الحالية والسابقة منذ سنوات طويلة حتي تعرضت للتآكل والانهيار. وهي الطبقة الوسطي رغم أنها كما يؤكد كل خبراء السياسة والاجتماع. رمانة الميزان في كل مجتمع لأنها تشمل كل الفئات المهنية والمثقفين والمبدعين والتي تقود بالتالي حركة الوعي والتنوير وتكون دوماً في طليعة الثورات ضد الفساد والاستبداد. ويبدو أن هذه الطبقة الوسطي تدفع ثمن موقعها التاريخي بين طبقة المعدمين ومحدودي الدخل الذين لا يستطيع أي نظام تجاهلهم. بل يبني علي ما يقدمه لهم خطابه السياسي غالباً رغم ان بعض الأنظمة تتاجر بمعاناتهم ولا تقدم لهم سوي الفتات والمسكنات من قبيل "اتق شر الحليم- أو الصامت. إذا غضب".. وكذلك وقوعها بين طبقة الأغنياء من رجال الأعمال والمستثمرين وغيرهم. وهم دائماً الأعلي صوتاً والأقرب الي السلطة وينعمون بكل المميزات الي درجة تفصيل القرارات الحكومية علي مقاسهم. عندما يتم التزاوج الكارثي بين الثروة والسلطة والذي بلغ ذروته في نظام مبارك الفاسد والذي مازلنا نعيش ونكتوي من توابعه حتي الآن. وتتزايد المأساة حين يتحلي هؤلاء بالغباء وقصر النظر. فيمتنعون عن تسديد الفاتورة الاجتماعية لثرواتهم حتي من قبيل الزكاة أو اتقاء شر الجائعين والمحرومين والعاطلين الذين تمتلئ بهم العشوائيات وأحزمة الفقر التي تحيط تقريباً بأغلب المنتجعات ومناطق الأثرياء. ولن يتجاهلون ما يقوم به أقرانهم خارج الحدود من التبرع للمؤسسات الخيرية والتعليمية والصحية بمليارات من ثرواتهم.. كما يتفننون في التهرب الضريبي الذي يعد من الجرائم الماسة بالشرف في الغرب.. ولا يساهمون غالباً في أي تبرع اختياري للمشروعات الاجتماعية وغيرها مثل صندوق "تحيا مصر" رغم ان الحكومة تدعمهم بشكل غير مباشر. لأن من يعمل لديهم في مصانعهم أو مزارعهم أو شركاتهم كانوا لا يمكن ان يقبلوا بالأجور الهزيلة غالباً إذا لم تكن الدولة تقدم لهم دعماً في المواصلات العامة والطاقة والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها. وتلك المأساة تتحول الي ملهاة أو كوميديا سوداء حين تواجه الحكومة هذا الدلال والتمنع والتهرب والطناش" من الأثرياء. بمزيد من التدليل فتقوم مثلا بتخفيف الضرائب علي الدخل من 25% الي 22.5% رغم انها قد تصل في بعض الدول الأخري الي 40 أو 50% كما تلغي الضريبة 5% علي الدخول الكبيرة. وتؤجل الضريبة وعلي أرباح البورصة.. وترفض كذلك أي دعوة لفرض ضرائب تصاعدية وتفشل تماماً في الوصول الي الأموال المهربة للخارج وتتأخر لسنوات في تحصيل حق الدولة ممن حولوا الأراضي الصحراوية التي حصلوا عليها بملاليم بغرض الزراعة. الي منتجعات وباعوها بالملايين.. ووصل الأمر الي ان الحكومة تجاهلت دعوة رئيس اتحاد المستثمرين محمد فريد خميس غير المسبوقة برفع نسبة ضريبة الدخل الي 30%! وفي المقابل.. يدفع أبناء الطبقة الوسطي وخاصة من الموظفين ما عليهم من ضرائب بالمليم. بينما لا يتمتع قطاع كبير منهم ببرامج الحكاية الاجتماعية وليس لديهم بطاقات تموينية وينتمي بعضهم لفئة "البهوات المفلسين" ويسدد فواتير مرتفعة للطاقة ومياه الشرب حسب الشرائح التي لا تخضع لاعفاءات. كما ينتظرون أعباء مضاعفة مع البرامة المتوقعة قريباً لرفع الدعم عن الخدمات. وتحويله الي نقدي لن يحصل عليه بالطبع إلا الفقراء. ولا ننسي أيضاً مأساة أصحاب المعاشات الشرفاء الذين لم يتاجروا بما كان في أيديهم من سلطة وظيفية. فتكافئهم الدولة بعد بلوغ سن الستين بما يؤدي الي تحول عدد كبير منهم من أبناء الطبقة المتوسطة الي الفقراء ومحدودي الدخل عندما يفقدون مرتباً لا يقل عن 4 آلاف جنيه ليجدوا معاشا لا يتجاوز 1200 جنيه أو الحد الأدني الذي يتقاضاه الخريج أو العامل الجديد ناهيك عن وجود نحو 4 ملايين من أصحاب المعاشات لا يزيد معاشهم عن 400 جنيه شهرياً! ولهذا كله يحذر الخبراء من تفكك الطبقة الوسطي. ومنهم د. جودة عبد الخالق وزير التضامن الاجتماعي الأسبق. الذي يؤكد ان هذه الطبقة تعرضت للتآكل علي مدي ال20 عاماً الأخيرة. وهو ما يتطلب تقديم رؤية واضحة لمواجهة موجة الغلاء والتضخم بفعل انخفاض قيمة الجنيه وتآكل الدخول الثابتة لأبناء هذه الطبقة. وإذا أضفنا لذلك انخفاض قيمة أي مدخرات من حصيلة سنوات الغربة لبعضهم. لوجدنا تفسيراً لتزايد معدل الفقر في مصر. بانضمام قطاع كبير من هؤلاء تدريجياً الي طبقة محدودي الدخل. إذا كان د. أحمد زايد استاذ الاجتماع يؤكد كما نشرت "الجمهورية" ان الطبقة الوسطي هي الكنز الأساسي للمصريين ويخشي علي الوطن من انهيارها وبالتالي لابد للدولة من التدخل لانقاذها. ودعمها حتي يستمر أيناؤها في القيام بدورهم الأساسي والتاريخي في الحفاظ علي أسس الدولة المصرية والنسيج المجتعي لها.. والمؤكد ان ذلك لن يتحقق لكل المصريين علي اختلاف طبقاتهم. إلا بالعدل لأنه عندما يدفع الكل نصيبه في فاتورة المعاناة وانقاذ وبناء الاقتصاد ومواجهة أزماته حسب قدرته وامكانياته بدون تفرقة أو تدليل لأحد.. لن يعاني الفقراء الذين مازالوا يحتاجون الكثير من ذل الحاجة.. ولن يتألم أبناء الطبقة الوسطي لكرامتهم المهدرة ومشاعر "عزيز قوم ذل". ولن يركنوا الي السلبية والتقوقع أو الهروب للخارج في أول فرصة.. وأيضاً سيجد الأغنياء مع تراجع حالة الاحتقان الاجتماعي فرصاً أكبر للنجاح وتكوين الثروات والتمتع بها.. بدون قلق أو خوف من الآخرين. تعمير سيناء. وجرائم مبارك في ذكري تحرير سيناء. ذهبت مجموعة من "مهاويس" المخلوع مبارك الي المستشفي. فخرج الي الشرفة لرد تحيتهم. بينما تباري أربعة من نجوم الفضائيات في الزمن الأغبر. في معاتبة كل من لم يتذكر مبارك ودوره في حرب أكتوبر واستكمال تحرير أرض الفيروز.. وإذا كان هذا الأمر لا ينكره أحد. فان هؤلاء للأسف لم يتساءلوا -إما خجلاً أو محاباة لأصحاب بعض هذه الفضائيات من "الفلول". عن جرائم وخطايا زعيمهم في حق سيناء لدرجة اننا نتحدث اليوم وبعد 34 سنة كاملة من إعادة طابا. عن بدء الخطوات الحقيقية لتعميرها. كما يسقط يومياً الكثير من شهداء الجيش والشرطة في الحرب ضد الارهابيين الذين تسببت سياسات مبارك الفاشلة والمريبة في زرعهم في سيناء بدلاً من مشروعات التعمير. ويكفي هنا ان نقدم شهادة اللواء عبد المنعم سعيد محافظ جنوبسيناء الأسبق ل"الأخبار" والذي يكشف انه تم عمل تخطيط لتنمية سيناء من "1990- 2017" يتضمن تسكين 3 ملاين نسمة. وبدأ العمل فعلاً بانشاء شبكة طرق واستصلاح الأراضي وغيرها ثم توقف المشروع عام 1993 بسبب توقف الضخ المالي وتحويله الي مشروع توشكي!! وقال الكاتب الكبير فاروق جويدة في مقاله ب"الأهرام": "هذا المشروع كان يشمل ترعة السلام واستصلاح نصف مليون فدان ثم توقف كل شئ ثم تحولت حدود سيناء الي أنفاق لتهريب السلع والمخدرات والإرهابيين. ومازال اهمال سيناء يمثل لغزاً في دائرة القرار في مصر طوال ثلاثين عاماً"! وكشف النائب اللواء حمدي بخيت ل"المصري اليوم": انه شارك في ترسيم الحدود بين مصر والسعودية عام 2003 والذي كان يشمل اقامة جسر بين البلدين. ولكن إسرائيل وأمريكا اعترضتا فأعلن مبارك رفض اقامته. والسبب ان القرار السيادي لم يكن كاملاً في عهد الرئيس الأسبق. هل يمكن ان نتخيل إذا كان الله قد هدي مبارك. واستكمل خطة تعمير سيناء بدلاً من اهدار المليارات علي مشروع توشكي الفاشل. وأقام بالفعل الجسر الذي وصفه اللواء شوقي رشوان رئيس جهاز تنمية سيناء بانه بداية التنمية الحقيقة لها.. هل نتخيل ماذا كان حال مصر اليوم بدلاً من كل ما نعانيه الآن من ارهاب وأزمات البطالة والفقر والدولار وعجز الموازنة واستيراد غذائنا.. ولكن ما حدث هو مجرد جزء من جرائم مبارك الحقيقية التي لم يحاكم عليها.. ولا يبقي للمصريين سوي الله عز وجل الذي سيحاسب قطعاً كل مجرم عما اقترفت يداه في حق شعبه!