من الأمثلة الشعبية التي أبدعها الحكيم المصري المجهول: "حبيبك يبلع لك الزلط. وعدوك يتمني لك الغلط".. وهذا المثل يفسر واحدا من أهم أسباب الهوجة الخطيرة التي تمر بها مصر حالياً حول جزيرتي تيران. وصنافير. مع التحفظ بالطبع علي كلمة "عدوك". لأنه باستثناء "الإخوان" الذين ركبوا الموجة وتوهموا لغبائهم المعتاد. انها الفرصة الذهبية للثأر من ثورة وقادة 30 يونيو. فإنه لا يمكن الطعن في وطنية بقية المعارضين لاتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية رغم اختلافنا معهم. وأيضاً مع تسجيل التحفظ علي اصرار الجانب السعودي علي تنفيذ هذه الخطوة بعد سنوات طويلة من الانتظار. في توقيت تعاني فيه مصر من أزمات والانقسام وتربص قوي عديدة في الداخل والخارج بها مما أدي إلي زيادة الأعباء والتحديات التي تواجهها القيادة السياسية. فضلاً عن التشويش علي نتائج الزيارة الرائعة. والتي حولها المغرضون إلي انها دليل علي وجود صفقة في إعادة الجزيرتين إلي السعودية. أيضاً التحفظ قائم علي طريقة إعلان الحكومة عن الاتفاقية بطريقة الصدمة وليس التمهيد والإقناع بما قد يعكس عدم التقدير الكافي لما حدث للمصريين من التغير بعد ثورتين. والاعتقاد بأن إعلان المفاجأة بدون تمهيد مسبق. وفي بيان مختصر يمكن أن يتقبله الناس. وبينهم معارضة أيضا متربصون بالوطن. ويقولون فوراً للحكومة: "آمين.. أحسنتم.. ما قصرتم.. "!.. ولو كانت الحكومة قد قامت بامتصاص "توابع" المفاجأة والصدمة. بأن يكون الإعلان عن الاتفاقية من خلال مؤتمر صحفي عالمي يحضره كل أعضاء اللجنة من الخبراء الذين لا يعرف الرأي العام حتي الآن أحداً منهم سوي د. مفيد شهاب. رغم أن أعضاء لجنة استرداد طابا مثلاً كانوا معروفين للجميع. وبالتالي إذا كان هؤلاء قد قاموا بالشرح وتقديم الوثائق وعرضها أمام الرأي العام بكل التفاصيل من أول لحظة. لكانت فرصة اقناع المعارضة أكبر. ولكننا ألقمنا كل متربص ومن في نفسه مرض وغرض. حجراً. ولكننا للأسف تركنا كرة الثلج تتدحرج وتكبر. ليتحول كل المصريين والإعلاميين خاصة إلي خبراء في القانون الدولي وترسيم الحدود. حتي تفضلت الحكومة بعد حوالي يومين كاملين بإخراج بعض الوثائق المهمة التي تضاءل تأثيرها بسبب هذا التأخير. في صد موجة التشكيك والتحريض. وتخويف المصريين البسطاء بأن أرضهم ضاعت! المؤكد ان الصرخة العنترية "حد يطلع وثيقة" مجرد حجة واهية لدي كثير من المعارضين. بدليل انهم أخذوا هذا الموقف من أول لحظة وقبل أن تظهر أي وثائق وخطابات متبادلة وقرارات جمهورية صريحة تؤكد اعتراف مصر بالحق السعودي منذ سنوات طويلة. وقبل أن تظهر خرائط صريحة في مكتبة الكونجرس وغيرها. وقبل أن يؤكد أحد خبراء الاستشعار عن بعد أن الطبيعة الجيولوجية للجزيرتين تتطابق مع الساحل السعودي وليس المصري. وقبل أن تظهر شهادات لسياسيين وخبراء يعشقهم أو يقدرهم هؤلاء المعارضون مثل محمد حسنين هيكل. ومحمد فائق ومفيد شهاب. ود. فاروق الباز والمؤرخ د. عاصم الدسوقي وسامي شرف وغيرهم من الخبراء والساسة الذين لا يشك أحد لحظة في اخلاصهم لوطنهم.. وهؤلاء المعارضون لم يغيروا موقفهم قيد أنملة ما بين اللحظة الضبابية الأولي. وما بعد ظهور الوثائق والرسائل والشهادات. بل ان أحدهم من الإعلاميين رأي بثقة انها ليست وثائق و"كلام فارغ". وحرص علي تفنيدها واقتطاع أجزاء منها بما يخدم موقفه بينما كانت إعلامية أخري في نفس اللحظة تعرض نفس الوثائق بشكل محايد يكشف الحقيقة.. كما ان بعض هؤلاء رفعوا دعاوي قضائية من اليوم الأول وزعموا ان اتفاقية 1906 مع الدولة العثمانية تؤكد مصرية الجزيرتين. بينما تبين انهم لم يقرأوها لأنها تتناول فقط الحدود البرية وليست البحرية. ومع ذلك لم يعترفوا بخطئهم.. ورغم أن بعض هؤلاء كان يؤكد دوماً انه لا يزايد علي وطنية أحد. وأن كلا الطرفين من الوطنيين الذين يهمهم مصلحة الوطن وهذا ما نقره بالفعل. ولكنهم لم يفسروا كيف تتسق الاتهامات المعيبة بالتنازل والتفريط والتهاون والاستهتار بدم الشهداء علي الجزيرتين. رغم انه لم يثبت تاريخياً سقوط أي شهيد عليهما.. كيف تتسق مع الحقيقة الناصعة كالشمس. اننا جميعاً قد نختلف مع قيادات الدولة حول بعض الأمور في إدارة البلاد. ولكن الثقة في الرئيس ان القوات المسلحة وفي كل قادتها وفي كل خبير شارك في "تعيين" الحدود البحرية. ثقة مطلقة في انهم لا يفرطون أبداً في حبة رمل من أرض مصر. وإلا كان العكس من علامات الساعة؟. المؤكد ان أغلب المعارضين الوطنيين يقف مع فريق "بندور لهم علي غلطة" من قبيل الكيد السياسي والرد علي تأجيل الخطوات الضرورية لإعادة الاصطفاف إلي جبهة 30 يونيو.. وأعتقد أنه لولا حالة الغضب والاحتقان بين قطاع من الشباب والنخبة السياسية. ما كانت معارضة الاتفاقية مع السعودية. بنفس الحدة والعناد والرفض لأي محاولة للإقناع.. وهنا.. لابد من التأكيد علي أن يكون من بين الدروس المستفادة من هذه الأزمة. هو ضرورة أن تغلق الدولة في أسرع وقت ملف حقوق الإنسان الذي أصبح مثل أسطورة "صندوق البانادورا" الذي تخرج منه كل الشرور. خاصة ان كل من يتربص بمصر في الخارج يجد فيه الأسلحة أو الهدايا الجاهزة التي يوجهها ضدنا خاصة انه علي رأسنا بطحة. وهو ما وجدناه مؤخراً في التقرير الأمريكي لحالة حقوق الإنسان في العالم. وقبله بيان البرلمان الأوروبي.. وحتي جريمة مقتل وتعذيب الشاب "ريجيني" لم تكن ستأخذ هذا الاتجاه المعادي بشدة لنا رغم وجود حالات مماثلة في دول كثيرة لم يكشف أحد غموضها. إذا لم تكن بعض الممارسات الأمنية في الداخل قد أعطت الفرصة للمغرضين و المتحاملين أو بعض الحمقي من الغاضبين. للاتهام الغبي وغير المنطقي. لأجهزة الأمن المصرية باستهداف "ريجيني". وهو ما جعلها أحياناً وللأسف في دائرة الاشتباه. بدليل ما قاله بعض نواب البرلمان الأوروبي لوفد مجلس النواب في زيارته الأخيرة لبروكسل كما جاء علي لسان أحمد سعيد رئيس الوفد في حواره مع "المصري اليوم 6 ابريل": "دائماً تقولون ان مقتل ريجيني حالة استثنائية. وهذا ليس صحيحاً. أنتم دائماً تعذبون الناس في بلادكم".. وكان ردنا: "لا يوجد أجنبي في التاريخ تم تعذيبه في مصر.. أذكر حالة واحدة لذلك خلال ال 100 سنة الماضية". حذر الكثيرون من الحريصين علي مصلحة البلد وعلي نجاح المهمة الصعبة جدا للرئيس عبدالفتاح السيسي في مواجهة جبل التحديات الجديدة والمتوارثة. من خطر غضب وتباعد عدد كبير من جبهة 30 يونيو. وضرورة إيجاد حلول سريعة لمواجهة توابع قانون التظاهر وحبس أصحاب الرأي بما يخالف الدستور واستمرار عدد كبير من الشباب في السجون باسم الحبس الاحتياطي وتأخر تنفيذ الوعود بالافراج عنهم وبينهم آلاف الطلاب بدلاً من عقد امتحانات لهم بالسجن للعام الثاني بينما ينظر أهلهم في حسرة وقهر لحالات الافراج القضائي عن قيادات إخوانية مثل محمد الظواهري أو أعضاء لجنة دعم الشرعية الذين حرضوا علي العنف والمظاهرات لشهور طويلة! نتمني تنفيذ أجهزة الدولة توجيهات الرئيس بتحقيق التوازن بين الأمن والحريات. وسرعة اصدار قانون الجمعيات الأهلية لتنظيم التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني ووضع ضوابط للتمويل الأجنبي بما يساعد علي اغلاق هذا الملف الذي اختلط فيه الحق بالباطل وظلم فيه كثيرون وفتح علينا أبواب هجوم بلا مبرر.. وأمام حالة العناد لقطاع من الشباب والنخبة السياسية.. أتمني أن يعطي البرلمان الأولوية من اليوم. لمناقشة اتفاقية "تعيين" الحدود البحرية مع السعودية. وأن يستمع إلي كل خبراء اللجنة التي شاركت فيها. وأن يعطي الفرصة لأي معارض لديه وثيقة مضادة.. علي البرلمان. قبل التصديق علي الاتفاقية التي أعدتها سلطة وطنية نثق فيها ونأتمنها علي كل مصر وليس جزيرتين فقط. أن يتحمل مسئوليته التاريخية في توضيح كل الحقائق للشعب حتي من قبيل ".. ولكن ليطمئن قلبي". . وأن يوجه هو وكل أهل السياسة رسالة قوية لجموع المواطنين بأن مصر لن تتحمل طويلاً فاتورة استمرار ترف الاحتجاجات والمظاهرات بعد توضيح كل الحقائق. وخاصة ان الوطن يواجه تحديات تهدد وجوده. كما تؤكد للجميع ان كل من يعشق فعلاً كل حبة رمل من أرض مصر. لابد أن يؤكد ذلك بكثير من العمل والثقة. والقليل جداً "وياريت بلاش" من الكيد والمناكفة والعناد..