** توقفت أمام سقطة صحفية لإحدي الصحف القومية قبل أيام. حيث صدرت بعنوان رئيسي علي النحو التالي: "ميسي يتبرع بحذائه.. لصالح فقراء مصر" إلي هذا الحد هان شعب مصر علي صاحب هذا العنوان المهين. وقررت أن أتناول تلك الهفوة الصحفية. ولكني تراجعت في اللحظات الاخيرة وشرعت في الكتابة عن قامتين شاهقتين في العقيدة والأدب. ولا تسألني عن تأثير العناوين في جذب القراء فالكاتب الحق يتجاوز الشكل ويؤكد علي المضمون لان الادارة القلمية مهنية كانت أو تعبير عن رأي قد تخل بأمانة الكلمة. وأمانة الكلمة لا يتحملها سوي أولو العزم. وأما القامتان فهما الإمام محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق والذي حلت ذكراه السادسة في الاسبوع الثاني من مارس الفائت والدكتور طه حسين عميد الأدب العربي المعاصر.. جدير بالذكر ان الامام محمد سيد طنطاوي "1928-2010" تولي مشيخة الازهر بامتداد اربعة عشر عاما حتي وافته المنية بالسعودية ودفن بمقبرة البقيع مع صحابة الرسول "صلي الله عليه وسلم" بعد ان ادي واجبه في خدمة الاسلام قدر استطاعته واذكر أني تعاملت مع فضيلته اكثر من مرة لعل اهمها في اعقاب زلزال اكتوبر الشهير الذي شهدته مصر عام 1992 وما ترتب عليه حيث تصدعت مئات المباني العامة والخاصة اضافة الي انهيار عشرات المباني الخاصة ومن المباني التي اصابها التصدع وقتذاك المعهد الازهري النموذجي للفتيات بمدينة 15 مايو ومن ثم تقرر نقل الفتيات الي المعهد الازهري النموذجي للبنين وكنت نائبا للاباء بمعهد البنين وطالبني أولياء الامور بسرعة تدارك الامور مع المشيخة ففضلت ان اكتب تحقيقا صحفيا خاطبت من خلاله كافة الاطراف المعنية بالمشكلة ونشرته "الجمهورية" علي ستة أعمدة تحت عنوان: "الاختلاط بالازهر لاول مرة" نشر التحقيق المذكور بصفحة التعليم.. رحمك الله يا محمد خليفة في اعقاب النشر استدعاني فضيلة الامام مع وفد من مجلس الاباء وتفضل بالموافقة علي اقتراحي بتخصيص معهد جديد علي الفور بمجاورة "22" علي مساحة كبيرة وضم المعهد البديل المراحل التعليمية الثلاث ابتدائي - اعدادي - ثانوي. ** وأما الدكتور طه حسين "1889 1973" فقد ذكرني به الدكتور مصطفي الفقي في يومياته بالاخبار المنشور منتصف الشهر الفائت بمناسبة تلقيه هدية من الدكتور كمال الجنزوري عبارة عن "C.D." يتضمن مجموعة من محاضرات الدكتور طه حسين التي كان يلقيها أسبوعيا والمعروفة باسم "حديث الاربعاء" وكم يسعدني أن أحصل علي نسخة منها. قال الدكتور مصطفي الفقي واصفا هذه الأمسيات الإذاعية الثرية بأنها كانت منارة مضيئة تشع نورا من مصر يهتدي به الجميع مشيرا إلي حديث العميد عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكيف تأثر بتلك المحاضرة إلي حد شعر معه انه يحلق في سماوات العلا. ليس فقط فمثل هذه المتعة السمعية يشعر بها جميع المستمعين لأن أسلوب طه حسين ونبرة صوته هي قبس من اشعاع عظيم بثه ذلك الرجل الفريد في الوجدان المصري والعربي والإسلامي علي نحو غير مسبوق. جدير بالذكر ان الدكتور مصطفي الفقي من السميعة الكبار المتيمين بسماع القاريء الشيخ مصطفي إسماعيل ويتكرر احساسه المذكور مع تسجيلات الشيخ مصطفي حيث تزداد متعته أكثر فأكثر. وأما المعلومة الأهم علي لسان الكاتب المبدع منير عامر عن السبب الحقيقي وراء ضم الدكتور طه حسين لكتاب الأهرام فيرجع السبب إلي اصرار السيدة سوزان طه حسين علي ان عميد الأدب العربي يساوي اثنين توفيق الحكيم ولما كان الأهرام يدفع خمسمائة جنيه لكبار الكتاب ومنهم توفيق الحكيم فقد توقفت المفاوضات بين العميد والأهرام رغم ان المكافأة المذكورة كانت تعادل وقتذاك مرتب رئيس الجمهورية بمنتصف الستينيات لكن هناك سببا آخر هو الأقرب لعدم انضمام طه حسين إلي كتاب الأهرام وهو حرصه علي الكتابة لجريدة الثورة "الجمهورية" ألم يكن هو أول من أطلق للصحة اسم "ثورة" علي حركة الضباط المباركة يوم الثالث والعشرين من يوليو عام 1952؟ ** آخر الكلام: يحسب للدكتور محمد سيد طنطاوي عظيم دوره في استكمال ما قام به الإمام الراحل عبدالحليم محمود "9910 - 1978" في تطوير المعاهد والكليات الأزهرية حيث بلغ عدد المعاهد الأزهرية في عهد الإمام طنطاوي ثمانية آلاف معهد اضافة إلي نحو 60 كلية أزهرية.. رحم الله الإمامين ونفعنا بعلمهما.. اللهم آمين.