شهدت مصر في السنوات الخمس الأخيرة ما لم تشهده من قبل حتي في أكثر الأوقات شدة وفوضي.. تغيرت النفوس وتبدلت القيم والمباديء وماتت الضمائر وساءت الأخلاق وعلت الأصوات واختلطت لدرجة أننا لم نعد نسمع ولا نفهم.. لا نأبه لما يحيط بنا من اخطار وما يحاك لنا من مؤمرات.. لا ندري من أين سيأتينا الخطر.. من الشرق حيث يتواري الإرهابيون في جبال سيناء.. أم من الغرب حيث تنتشر عناصر داعش في ليبيا والصحراء الكبري.. أو من الجنوب حيث الحدود مع السودان.. أو الشمال علي الضفة الأخري من المتوسط.. حيث الأجهزة الاستخباراتية والمنظمات التي تدير الفوضي من بعد من خلال مأجورين يبيعون وطنهم مقابل حفنة من المال. ولكن هل سألنا أنفسنا.. من سبب تردي الأوضاع وسوء الأحوال وانعدام الأمن وغلاء الاسعار وندرة السلع؟ إننا سبب كل ذلك.. نحن أوصلنا أنفسنا لما نحن فيه.. لأننا لم نرحم بلدنا التي أرهقتها المظاهرات والوقفات والمؤامرات.. علت الأصوات مطالبة بحقوق وزيادات وارباح وحوافز وتركوا أدوات الانتاج معطلة.. أغلقوا الشوارع وعطلوا المرور.. حرقوا وخربوا ونهبوا.. زادت البلطجة وضعفت قبضة الأمن.. هربت الأموال للخارج وفر المستثمرون بعيداً لأن رأس المال جبان.. ماذا ننتظر؟ فائضاً في الميزانية!! رفاهية!! جنة الله في أرضه؟؟ ما شهدته مصر خلال السنوات الخمس الماضية كفيل بأن يدمر اقوي دولة.. ولكن الله حفظ مصر وسيحفظها من أجل الغالبية الكادحة التي لا تطمع في أكثر من قوت يومها ومكان نومها.. ولكن إلي متي ستظل مصر محفوظة وفيها تلك الأنفس المريضة؟؟ إلي متي ستبقي مصر صامدة والكل ينهش فيها؟؟ إلي متي ستستطيع الوقوف علي قدميها ونحن نحاول كسرها؟ هل بقي لدينا شك أن مصر في حالة حرب؟ وهؤلاء الشهداء يتساقطون وهذه الدماء الذكية تراق يومياً.. هل منا من لم يصبه الحزن والألم لفراق عزيز عليه راح ضحية ما نحن فيه؟ لقد طال الإرهاب كل البيوت.. ومن لم يطله أذي الارهاب لا يفرح كثيراً.. لأنه اذا استمر الحال علي ما هو عليه فإنه سيطاله لا محالة. نحن محاصرون حصاراً اقتصادياً غير معلن.. ولكننا ندركه ونشعر به.. فصعوبة المعيشة وانهيار السياحة وانتشار البطالة وهروب المستثمرين وتحول جزء من التجارة العالمية عن قناة السويس.. والتلاعب في أسواق الصرف وارتفاع سعر الدولار وغلاء الأسعار ونقص السلع.. وتعنت اثيوبيا في مفاوضات مياه النيل.. كل ذلك وغيره يؤكد أننا محاصرون وهناك اطراف عديدة تضغط وبشدة لاسقاط مصر وتركيعها. الدول التي تتشدق بحقوق الإنسان عندما تتعرض هي لبعض مما نتعرض له فلا حقوق ولا إنسان.. بحجة الأمن القومي ومصلحة البلاد.. فهل أوطانهم عزيزة عليهم ووطننا ليس عزيزاً علينا؟ وهل الحفاظ علي كيان مجتمعهم وبنيانه وأمنهم القومي حلال عليهم حرام علينا؟.. هذه الدول لماذا تدفع الأموال لجمع المعلومات عن بلدنا من خلال ما يسمي بالمنظمات والمراكز الحقوقية والتي نعرف جميعا أنها تعمل لحساب أجهزة استخباراتية.. وأنا أعتبرها نوعاً جديداً من الجاسوسية المنظمة.. ما الفائدة التي ستعود عليها من هذه المعلومات التي يكلفون المنظمات والمراكز الحقوقية بجمعها؟ كل ما نحن فيه وما نعانيه نتاج خمس سنوات من الخلافات والصراعات والفوضي.. وبعيداً عن الجدال الدائر حول ما اذا كانت 25 يناير ثورة أم عورة.. فإنها بدأت ثورة وتحولت إلي عورة عندما تخاطفتها جماعات المصالح وحاولت نسبتها لنفسها.. كان سبب ذلك وكما قلت وقتها أن أخطر عيوبها أنها قامت بدون قائد.. ولم تكن منظمة.. ولكن كراهية مبارك ونظامه هي التي جمعت الفرقاء.. وبعد خلع مبارك اختلف الفرقاء ودفعت مصر الثمن. مصر في خطر.. وفي حالة حرب.. والشعب المصري الذي كان يتحد في حالات الشدة تغيرت طبيعته.. ولكن مازال الأمل موجوداً.. ولابد من نبذ الخلافات وتجنيب المصالح الخاصة والأطماع جانبا لنعبر إلي بر الأمان وبعدها نبحث عن المكاسب والمصالح.. أما الآن وفي هذا الوضع الكل خاسر.. ولابد من احتواء كل الأطراف بدون تحييد لأحد إلا الذي يصر علي الوقوف ضد مصلحة الوطن.. فكلنا سنقف في وجهه ونقصيه من طريقنا.. فليس لدينا أغلي من الوطن.