بعد أن أكد المستشار مجدي العجاتي وزير الشئون القانونية ومجلس النواب. أن الحكومة ستعلن برنامجها أمام البرلمان يوم 27 فبراير. وبعد أن قال رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل في حواراته مع القيادات الصحفية. إن هذا البرنامج جاهز تماماً بكل ما فيه من حقائق كاشفة للأزمات والتحديات التي نواجهها. واجراءات الإصلاح المؤلمة.. فجأة تذكرت الحكومة أنه لا يجوز أن تواجه البرلمان ولائحته الداخلية لم تنته بعد. وبالتالي رغم تأكيد الكثير من الخبراء والنواب بعدم وجود علاقة بين الاثنين. عليها أن تؤجل هذه الخطوة إلي موعد آخر. ليكون غالباً أول ابريل رغم الدلالات الساخرة والمتشائمة لهذا التاريخ! المؤكد. أن هذه الحجة لم "تخيل" علي أحد. وأن أقرب تفسير للتأجيل. هو أن بالونات الاختبار التي أطلقها المهندس إسماعيل. أكدت له ولغيره. أن الحكاية موش هزار. واللي ييجي علي الغلابة ما يكسبش. وأن برنامجه يحتاج حتماً إلي تعديل. حتي لا يطيح بالحكومة. خاصة أن منهجه التقليدي لا يصلح لهذه المرحلة لأنه يبحث في الأساس عن حل لعجز الموازنة وضعف الموارد. بمزيد من التفتيش في جيوب الغلابة ومتوسطي الدخل التي أصبحث خاوية ومخرومة بعد أزمنة من المعاناة والاستنزاف من المنبع. وغلاء الأسعار وابتزاز مشاعر الناس الطيبة والصبورة ودعوتهم لمزيد من التحمل من أجل مصر ولمساندة رئيسهم الذي يحبونه. رغم أنه يؤكد مراراً للجميع وأولهم أعضاء الحكومة. أن الغلابة في حاجة لمن يحنو عليهم. وإذا كان هذا التأجيل. حلاً مؤقتاً للمأزق الحكومي بعد التوجس من رفض نيابي متوقع للبرنامج واستنكار شعبي لأي اجراءات مؤلمة لا يشارك في دفع فاتورتها أولاً القادرون الذين تدللهم الحكومة. فإن علي مجلس الوزراء وخبراء التخطيط البحث بعيداً عن هرس وظلم ملايين القادمين بمزيد من المعاناة. عن مليارات الجنيهات المهدرة والغائبة عن خزانة الدولة والتي يمكن أن تغني الحكومة عن المغامرة برفع الدعم وزيادة أسعار الخدمات. للأسف. ما نقوله الآن ويقوله خبراء الاقتصاد مراراً. ليس بجديد. ولكن حكوماتنا الرشيدة عبر 5 سنوات وحتي اليوم لا تستمع لأحد أو تسمع ثم تنسي البحث عن مواردها. وإلا لما عجزت عن تحصيل مليارات الضرائب من المتهربين بما يوازي 50% من الايرادات المطلوبة كما أكد وزير المالية وتصل الي 100 مليار جنيه.. وأيضاً لما تأخرت عن اتخاذ اجراءات حازمة لتحصيل حق الدولة حوالي 80 مليار جنيه ممن حصلوا علي أراضي الطرق الصحراوية بملاليم من أيام نظام مبارك الفاسد. وبدلاً من زراعتها. حولوها إلي منتجعات وباعوها بالمليارات.. رغم تشكيل لجان بالجملة لهذا الغرض كما حدث بالضبط مع لجان استرداد الأموال المهربة للخارج. لم يدخل أي مليم للخزانة من هذه المخالفات! وفي هذه المهزلة. يمكننا أن نتفاءل أخيراً بعد أن أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قراراً بتشكيل لجنة برئاسة المهندس ابراهيم محلب. لحصر جميع الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بغير حق. واستردادها وتحصيل حقوق الدولة أيضاً.. ونتمني بما نعرفه من شخصية محلب. أن تحقق اللجنة نتائج ملموسة في فترة قريبة بالاستفادة من كل الجهود السابقة بدلاً من أن تبدأ لجان الحصر من أول السطر... وبحثاً عن الموارد أيضاً. لا يعرف أحد سر تجميد تطبيق الكارت الذكي للوقود. حتي يحصل علي الدعم من يستحقه بالفعل ولا يذهب للسفارات وأصحاب المرسيدس.. وكذلك أين قرارات ترشيد الانفاق الحكومي بما يتناسب مع دولة تعاني من أزمات خانقة.. وكيف لم تتوقف حتي الآن فوضي الإنفاق من الصناديق الخاصة بالوزارات والمحليات والتي تقدر أموالها بالمليارات والتي يصرف معظمها بدون قواعد عادلة للمحاسيب.. ولماذا لا نغلق منافذ التهريب للسلع المستوردة خاصة من المناطق الحرة والتي تتسرب للأسواق لتقتل الصناعة المحلية لأنها لا تدفع جمارك والتي تصل قيمتها كما قال محافظ البنك المركزي في حواره مع ابراهيم عيسي. إلي 6.9 مليار دولار.. وأيضاً ما المانع من فرض بعض القيود علي حرية السفر للعمرة خاصة لمن يذهب مرتين سنوياً. ليزيد من أعباء توفير العملة الصعبة؟! وبمناسبة أزمة الدولار.. لماذا لا تواجه الدولة عصابات تجميع الدولار من المصريين بالخارج وأغلبها من العناصر الإخوانية كما أكد عصام عبدالصمد رئيس اتحاد المصريين بالخارج "المصري اليوم". وذلك بتقديم بعض الحوافز التي تشجعهم علي تحويل الدولار عبر البنوك مع تحقيق رسوم التمويل أو حتي إلغائها.. أيضاً قرارات ترشيد الاستيراد الأخيرة ليست كافية بدليل ما قاله طارق عامر مؤخراً. بأنه يمكن الاستغناء عن واردات قيمتها 20 مليار دولار سنوياً. كما أن رفع نسبة الجمارك 10% فقط علي السلع الكمالية يحتاج إلي المزيد. اضافة إلي أن القرار تجاهل للأسف السيارات كاملة الصنع والملابس الجاهزة. وذلك بدلاً من زيادة حصيلة الجمارك من جيوب عشاق المستورده الأثرياء. ودعم الصناعة المحلية التي تعاني من منافسة غير عادلة خاصة في مجال الغزل والنسيج.. أيضاً. يمكن تخفيض فاتورة الاستيراد بالتركيز خاصة في الأراض الجديدة. علي زراعة المزيد من المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والقطن قصير التيلة بدلاً من استيراده للتصنيع. والذرة الصفراء الخاصة بالأعلاف. والمحاصيل الزيتية حتي لا نتعرض لأزمة في توفير الزيوت كما يحدث حالياً لأننا نعتمد علي الاستيراد بنسبة 95% .. ولابد أيضاً من دعم موازنة مراكز البحوث الزراعية بدلاً من تخفيضها كما حدث في الموازنة الأخيرة. لاستنباط أصناف جديدة تعطي انتاجية أكبر تكفي الاستهلاك ويوجه الفائض للتصدير. المؤكد أيضاً. أن مصر لن تخرج من أزماتها وتنطلق للمستقبل. إلا إذا اعتمد اقتصادها أولاً علي الانتاج الصناعي والزراعي وليس فقط علي الخدمات التي لا نتحكم في مفاتيحها مثل السياحة وتحويلات المصريين في الخارج.. ولذلك لابد من سرعة حل مشاكل الاستثمار بالفعل وليس بالتصريحات الوردية عن أوهام الشباك الواحد وغيره بينما قد يحتاج المستثمر إلي 700 يوم لإنهاء اجراءات أي ترخيص وبدء الانتاج. ويشكو وزير الاستثمار نفسه من عدم تعاون أجهزة الدولة معه. وبالتالي كيف يحل مشاكل المستثمرين. بينما يحتاج هو أولاً إلي مساعدة وتدخل مباشر من رئيس الوزراء الذي لا يفعل ذلك غالباً إلا متأخراً. بما يشكل احدي مشاكل الإدارة العليا في مصر..!! ما أكثر الأمثلة علي وجود مصادر بالجملة للموارد المهدرة. وكان يمكن بسهولة أن تكون بين أيدينا الآن. لسد عجز الموازنة "138 مليار جنيه".. وذلك لو فتشت كل حكومة في دفاترها بكل جدية وجرأة في اقتحام عشش الدبابير. ولو استفادت من تجربة كل دولة في الخروج من عثراتها والانطلاق بعد ذلك.. وأيضاً لو وضعت ملايين الكادمين في عينيها بالفعل وليس بالشعارات. واجتهدت أولاً في البحث عن حلول لأزماتها وتوزيع الأعباء علي الجميع. بدلاً من الاستسهال وإعلان نواياها بالاجراءات المؤلمة رغم أن الناس فعلاً موش ناقصة معاناة. وهدهم بالفعل التعب والتحمل والصبر لسنوات وسنوات لا تبدو لها حتي الآن. نهاية قريبة. مصر .. أكبر من الفشل رغم مشاعر المرارة والاحباط. فإنه بحثا عن نقطة ضوء وسبب للتفاؤل والأمل خاصة مع اليقين بأن مصر قادرة دائماً علي الخروج من أي أزمة بحكم تاريخها الطويل مع التحديات والغزاة من كل لون. أعجبني ما قاله السفير يوجيشي نوجامي رئيس المعهد الياباني للدراسات الدولية ونائب رئيس الخارجية الأسبق. في حواره مع الشروق رداً علي سؤال. هل أنت متفائل بمستقبل مصر: "مصر موجودة منذ 7 آلاف سنة. لذا أنا لست قلقاً.. ربما تمر بأوقات صعبة مثل السنوات الخمس الأخيرة. لكن اعتقد أن مصر كبيرة جداً لتفشل. وهي كبيرة جداً لتتمتع بتعاف فوري. لكن المصريين فقط يمكنهم أن يساعدوا أنفسهم. فلا يمكن فرض الديمقراطية من الخارج".